أفريقياالأخبارالمياهالنيلالوطن العربىحوارات و مقالات

جمال عنقره يكتب: تأملات سد النهضة.. أين الحقيقة؟

كاتب سوداني

يؤسفني جدا ألا يعتبر السودانيون أنفسهم اصلاء في مسألة سد النهضة، وكأن الأمر لا يعنيهم بصورة مباشرة، وينطبق هذا الحال علي الحكومة والشعب معا، والحكومة أعني بها كل الذين يحكمون، سواء النظام السابق، او الذين يحكمون اليوم بمكوناتهم جميعا، والشعب أعني به كل فصائله، وفي مقدمتهم المثقفون والاعلاميون والصحفيون، والسياسيون، وغيرهم من مكونات هذا الشعب العديدة المتعددة، فعندما يتحدث سوداني في شأن السد يفكر الناس تلقاء ويتساءلون هل هذا المتحدث مع مصر أم مع إثيوبيا، ويبدو أن هذا الحالة تلتبس حتى المتحدثين من المختصين أنفسهم، ويؤسفني أكثر ان كثيرين من الذين يتناولون شأن سد النهضة من منصات التخصص، ويقدمون رؤي وأفكار يصفونها بالعلمية لا يكتمل حديثهم إلا بالإشارة الي آراء مغايرة لما يرون، ويصفونها أنها منحازة الي مصر اوضدها، او مع إثيوبيا او ضدها.
لست مختصا في شؤون السدود او المياه، رغم إني مختص في شأن الزراعة من الناحية الأكاديمية، ولكن أتيحت لي فرصة لزيارة سد النهضة مع الأخ الدكتور الفاتح عز الدين عندما كان رئيسا للمجلس الوطني السوداني، بدعوة من رئيس البرلمان الأثيوبي السيد امادولا جمدا، ولقد أتاحت لنا تلك الزيارة رفيعة المستوي الوقوف علي جوانب مهمة في الحياة الإثيوبية ومشروعاتها، وفي مقدمتها سد النهضة.

أتيحت لنا مع بعض الزملاء من الصحفيين والإعلاميين السودانيين جلسة لمدة ثلاث ساعات مع وزير الري المصري الأسبق الدكتور حسام مغازي أثناء زيارة الوفد الإعلامي لمصر التي نظمها مركز عنقرة للخدمات الصحفية برعاية سفيري البلدين السابقين الصديقين الحبيبين السوداني عبدالمحمود عبد الحليم، والمصري أسامة شلتوت، ولقد تحدثنا في هذه الجلسة عن كل شئ يتعلق بسد النهضة.

كما اطلعت علي كثير مما كتب وقيل في شأن هذا السد، ولكن لا تزال الحيرة تمتلكني، وأكثر ما يحيرني هو الموقف المحايد للسودان، والمواقف المتعارضة جدا للخبراء السودانيين، فبينما يقول البعض ان من أهم مخاطر السد أنه يوقف وصول الطمي الذي تميز به النيل الأزرق وهو الذي يكسب الأرض خصوبتها، وتقوم عليه زراعة الجروف التي تركز علي الخضروات بصفة أساسية وبعض الفواكه مثل الموز.

يقول آخرون ان أهم ميزة للسد استقرار انسياب مياه النيل، والقضاء علي مخاطر الفيضانات الي الأبد، وأنه يؤمن السدود السودانية من أي مخاطر يمكن أن تلحق بها بسبب الفيضانات غير المحسوبة، ويقول مناصرو قيام السد من السودانيين، أنه يزيد من معدل الأمطار السنوية، ويزيد من فرص نجاح الزراعة المطرية، ويلطف الأجواء السودانية، ويعمل علي تنقية مياه النيل فتصير أصلح للشرب بقلة الطمي الذي كان يأتي سابقا، وقد ينعدم تماما.
وبرغم تأكيد البعض علي عدم وجود مخاطر علي السودان من قيام سد النهضة، يوجد مختصون أيضا يقولون بمخاطر مذهلة لسد النهضة علي السودان في حال ملئه بالكمية التي يقول بها الجانب الأثيوبي وهي 74 مليار متر مكعب.

ويقول هؤلاء أن هذا الخطر يهدد السودان وحده دون إثيوبيا ومصر، فبالنسبة لإثيوبيا فان الخطر يكون شمال السد، ولا يوجد شمال السد شئ سوي السودان، ففي حالة انهياره فإن كل مدن وزراعات السودان حتي وسطه تكون مهددة بالدمار الكامل، أما مصر فيمكنها تلافي أي مخاطر بفتح بوابات السد العالي والاحتياط لمياه سد النهضة الذي يستغرق وصولها الي بحيرة ناصر أكثر من أسبوعين، والذين يقولون بمخاطر انهيار السد، يحتجون بطلب بيت الخبرة الفرنسي الذي رشحته الحكومة الإثيوبية مراجعة تصاميم السد، ورفضت الحكومة الإثيوبية ذلك، كما يحتجون أيضا بعدم قبول أي من شركات التأمين العالمية تأمين السد لارتفاع المخاطر التي تهدده.
هذا الآراء المتعارضة والمتضاربة من خبراء سودانيين تثير الدهشة، وتجعل الإنسان في حيرة من أمره وتجعلنا نتساءل عن الحقائق المجردة لسد النهضة، وهذا يستوجب علينا جميعا بحثا جادا لهذا الملف بعيدا عن التأثيرات والمؤثرات، ولا بد أن نستصحب مصالحنا نحن السودانيين في المقام الأول، والمضار التي يمكن أن تصيبنا، ثم نبحث بعد ذلك مصالح مصر وأثيوبيا التي يجب ألا تكون خصما علي مصالحنا.

نقلا عن جريدة أخبار اليوم عدد الأربعاء 23 أكتوبر 2019م

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى