الأخبارحوارات و مقالاتخيول

“ابن الريف” يكتب: الخيول… من “الحجاز” للخديوي عباس ..عندما نستعيد التاريخ (2)

للأسف كلنا مجرمون في حق الوطن..فعندما تتخلي عن أصولك، ومواردك، وتتجاهل قدراتك، ولا تقرأ التاريخ…فتأكد عن جميع قراراتك ستصل ببلدك إلي إنهيار لاعودة بعده، ولا أمل في تعديله، لأن تجاهل التاريخ يولد الزلل، تذكرني سوء أوضاع محطة الزهراء للخيول، بالتاريخ الذي ضيعناه بالخديوعباس باشا الذي تولي حكم مصر بعد وفاة عمه ابراهيم باشا بن محمد علي، فكان لا يسمع بفرس أو حصان أصيل إلا ويرسل إلى مالكه طلبًا في شرائه، ويرغبه بالأموال ويضاعف له، لأنه يمتلك رؤية مستقبلية أحد أركانها هي الخيول التي تشكل القوي الناعمة التي تحدد علاقات الدول وتقرب المصالح، وهو ما دفع محمد علي الكبير إلي جلب جميع الخيول العربية مع كل إنتصار يحققه في الجزيرة العربية أو بلاد الشام.

ويرجع إهتمام عباس بالخيول العربية الاصيلة إلي ولادته بمدينة جدة ، ونشأ فيها، حيث كان والده الأمير طوسون باشا في شبه الجزيرة يدير دفة الحرب ضد الوهابيين لإسقاط الدولة السعودية الاولي، رغم ان صداقته لأحدي ألامراء السعوديين دون علم جده محمد علي باشا،  وعمه الامير ابراهيم باشا دفعته للمغامرة ومساعدة، الأمير فيصل بن تركي آل سعود (مؤسس الدولة السعودية الثانية)،  في الهروب من السجن والهروب من مصر عام 1842 ، تمت بمعرفة وبمساعدة تامة من أحد أمراء الأسرة الحاكمة لمصر وهو الشاب الأمير عباس باشا المولود في المدينة السعودية الواقعة علي ساحل البحر الاحمر.

وتردد عباس باشا خلال  أيام شبابه على بوادي العرب، وعاش مع أحد قبائلها “قبيلة الرولة العنـــزية” وحده لمدة سنة كاملة، وتنقل بين قبائل شمال الجزيرة، وأحب حياة بدو الصحراء وعرف شيوخهم ورجالهم وفرسانهم، وكان يصرف على أصدقائه البدو بسخاء مفرط، فأحبوه وأحبهم وأصبح واحدًا منهم في تصرفاتهم وعادتهم وأخلاقهم، وهو ما ساهم في شغفه بتربية الخيول العربية الاصيلة وجلبها إلي مصر كي  تكون هي المصدر الوحيد للخيول العربية الاصيلة.

ولما تولى عباس باشا حكم مصر، انتهز الإمير السعودي هذه المناسبة ليرد له الجميل، فبعث له عددًا من خيول جزيرة العرب ، وعندما وصلت هذه الخيول العربية الأصيلة إلى مربط خيل الخديوي عباس باشا في القاهرة فرح بها، وأرسل إلى صديقه حاكم نجد الامير فيصل بن تركي آل سعود، رسالة يستفسر منه عن أصول هذه الخيول، فرد عليه بأن هذه الخيول الأصيلة هي بالأساس آتية إلى مربط خيله من قبائل جزيرة العرب، ونصحه بأن يرسل له بعثة متخصصة تمكنه تقصي أحوال هذه الخيل.

ولكي يقوم بذلك نفذ رجال عباس باشا فكرته بالتنقل بين جميع قبائل نجد، وقابلوا شيوخ القبائل وأصحاب مرابط الخيل، وكل من له معرفة بأصول الخيل ومواصفاتها، فدونوا  كل صغيرة وكبيرة، من هذه المعلومات التي جمعوها من أفواه الرواة ورتبوها ترتيبًا محكمًا راقيًا يثير الانتباه ويجلب الإعجاب والتقدير لمجهودهم الكبير، وأصبحت مصر هي الوحيدة التي تمتلك فعليا هذه الانساب والاصول.

وعندما عادوا إلى القاهرة، قاموا بترتيب كتابهم ونظموه على أكمل وجه وقدموه إلى عباس باشا في عام 1852 تحت مسمى “أصول الخيل”، وهو ما دفع الخديو عباس إلي الحفاظ علي السلالات العربية من الخيول، حيث تكشف أحد الوقائع عن ولعه بهذه الخيول وتميز سلالاتها،  وقام بدفع 500 جنيه إسترليني لمجموعة من البدو لكي يعيدو أحد خيوله العربية التي اهداها للملكة البريطانية من عائلة “صقلاوي”، حيث لم تقدر قيمة الهدية وباعتها في الهند، بعد ان أكدوا له انهم يستطيعوا تمميزه ولو من بين 1000 حصان، حيث تمكن مجموعة من البدو من السفر إلي الهند، وأعادوه إلي مصر.

كل هذه المعلومات هي التي دفعت مصر “محمد علي” لإنشاء الهيئة الملكية الزراعية فيما بعد لتكون حاضنة لهذه الاصول، لإنشاء سجلات حول أصل الخيول العربية، والتي أعتبرت السجلات الوحيدة التي تكشف أصالة الخيول العربية، وتحدد هويتها من خلال جواز سفر خاص بها لكن لايزال مخطط الاستحواز مقابل المال، علي كل إنجاز مصري، حيث تتعرض محطة الزهراء للخيول العربية الاصيلة إلي 3 مؤامرات تقضي علي ما تبقي لمصر من ريادة علي المستوي العربي وهو الخيول المصرية العربية الاصيلة، وتقوم السيناريوهات الثلاثة علي،1- نقل هذه السجلات إلي خارج مصر، إعتمادا علي ان هذه الدول لديهما الامكانيات المالية التي تساهم في وضع نظام لتسجيل الخيول العربية الاصيلة، مبررة ذلك بما حدث من قرار أوروبي بحظر إستيراد الخيول من مصر لعدم وجود نظام بيطري صحي لتتبع الامراض،إنتهي بعد مفاوضات شاقة أستغرقت سنوات حتي التوصل لالية جديدة تسمح بالتصدير بشروط، أو من خلال نقل نظام تسجيل الخيول إلي هيئة الخدمات البيطرية او القطاع الخاص، وهو ما يعني إنهيار الدور المصري في السيطرة علي تسجيل الخيول العربية لتصبح هذه الاستثمارات “في مهب الريح” لتنتقل إلي عالم المال في الغرب، حيث أننا للأسف رضخنا لهذه المؤامرات وكأننا رجل المنطقة المريض، دون أن ننظر إلي قيمة هذا العمل، حيث هناك خطط امريكية وأوربية لنقل هذه السجلات فيما بعد إلي المنطقتين للسيطرة علي عالم الخيول المصرية العربية الاصيلة، كما سبق أن قدمت الولايات المتحدة  بدءا من عصر الرئيس الامريكي الراحل “أيزنهاور”، تسهيلات لجلب الخيول العربية إليها مقابل حزمة من التسهيلات تشمل حق من يجلب هذه الخيول تخفيضات في الضرائب تعادل قيمة ما تم دفعه مقابل تنفيذ المخطط.

إذن هل ننتظر حتي يحدث ما لا يحمد عقباه، أم نتخذ من الاجراءات التي تحمي الخيول المصرية العربية الاصيلة، من خلال نظام جديد يعيد البريق إلي مزرعة الزهراء للخيول، ولكن بموقع جديد، ونظام حديث يراعي التحديات الجديدة داخاليا ودوليا، حتي تكون موردا ماليا يدغم الاقتصاد الوطني، ويحقق الدور السياسي لصناعة الخيول، كقوي ناعمة.

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى