الأخبارحوارات و مقالات

محمد بلال يكتب: ما لا يعرفه الباحثون عن “إسماعيل عبدالجليل”

باحث في محطة بحوث الشيخ زويد – مركز بحوث الصحراء

البداية كانت عندما ركبت مع أصدقائي في محطة بحوث شمال سيناء بالشيخ زويد في سيارة المحطة في طريقي لمدرستي الثانوية بجوار المحطة وسألتهم مين اللي بنا المحطة فأجابو جميعاً : دكتور إسماعيل عبدالجليل .

كنت صغيراً في الصف الثاني الثانوي حينما سمعت الإسم لأول مره وحفظته في ذاكرتي معجباً بهذا الرجل الذي له القدرة أن يبني مثل ذلك الصرح في هذا المكان النائي ..

مرت الأيام وأذكر أنني سمعت عنه مره أخري في برنامج كان يقدمه الكاتب الصحفي كرم جبر وكان ذلك الوقت قد تفجرت القضية الشهيرة بالمبيدات المسرطنة والمتهم فيها القامه الكبيرة معالي الوزير د. يوسف والي وقد وصل الإتهام في نقاش حاد بين المذيع والضيف إلي حد اتهام كل قيادات وزارة الزراعة لأتفاجأ وقتها بذلك الإسم يتردد مره أخري ليضعني في صدمة كبيرة وقتها ..

مرت السنوات سريعة لأدخل الكلية وأتخرج مهندساً زراعياً صغيراً يشاء الله أن أتقدم للعمل في المحطة ليعود الإسم بقوة ليتردد في كل زاوية في المحطة .

أبناؤه وتلاميذه من العاملين بالمحطة لا يمر يوم دون ذكر آثاره وسيرته الطيبه .. كيف وضع الرجل نظاماً صارماً للعمل استطاع أن يدمج فيه البدو والحضر العمال والمهندسين والفنيين كلهم في قالب واحد هو العمل الجاد والنشاط غير العادي .

أعجبت جداً بهذه الشخصية الفريدة .. الجميع ينشدون في سيرته ويذكرون مواقفه التي تصل لحد المدهشه والمعجزة .. كيف سهر الجميع إلي الفجر يزرعون نخيل الزغلول بالمحطة دون سخره أو إجبار .

كيف كانت المحطة رائعة وتفاصيلها مدهشة .. كيف حوّل مجموعة من البدو والبسطاء إلي فنيين مهره حرفيين يضربون الأرض لتخرج أروع مافيها ..

كيف أدخل أصناف الزيتون النادرة وأنواع النباتات الصحراوية الفريدة وكيف أنشأ بنك الجينات النباتية وجعل منه منارة وقلعة للعالم كله ليزور بنك الجينات ويطلع علي أحدث تكنولوجيا حفظ وتخزين نباتات الصحراء وغيرها وزراعتها ورعايتها ..

وكيف صنع من المكان إضافة لقيمة الإنسان .. الجميع يرتدي يونيفورم موحد لا فرق بين كبير وصغير .

الجميع يشعر بقيمته كإنسان من أول مكان تغيير ملابسه مروراً بمكان الطعام وطريقة تقديمة الفندقية الرائعة فشعر الجميع أنه ليس أقل من إنسان ذو قيمه فأعطي كل مايملك من وقت وجهد لعمله .

لا مكان لكسول ولا مكان لعاطل ليس ذو نفع .. الكل وجد ضالته في الشعور بقيمته .

يحكي زميل أنه علم بوفاة والده وتفاجأ باتصال د. إسماعيل ليطلب منه المرور علي منزله بشارع الحجاز قبل السفر للصعيد لدفن والده ويحكي كيف قابله د. اسماعيل وأعطاه ظرف من المال ليصل لأهله غانماً سالماً ويعينه علي تحمل المصيبة فيحكي أنه كان يبكي من التأثر من ذلك الفعل الراقي .

أعطي الجميع قيمته كإنسان فجعل الجميع يعطون المستحيل للعمل ويسهرون حتي منتصف الليل يعنلون في المحطة بكل تفاني وإخلاص ..

الكل يسمع كلامه ويحبه لأنهم شعرو أنه يقدرهم ويحفظهم ..

لا أنسي عندما أوقف غفير المحطة محافظ شمال سيناء وقتها عند بوابة المحطة وهو لا يعرفه حتي بعد أن عرفه مرافقية بأنه المحافظ فقط لأن دكتور اسماعيل قال له : محدش يدخل المحطه .. فهذا الرجل البسيط لا يشعر بقيمة المحافظ شعورة بقيمة تنفيذ أوامر دكتور اسماعيل ببساطه لأنه أعطي الإنسان قيمته ..

كان الرجل حازماً حاسماً بقدر ما كان عطوفاً رقيقاً .. يحكي الجميع كيف كانو يحضرون في السابعه والنصف ليجدو د. إسماعيل في قلب المحطة يتفقد العمل ويضع خطة اليوم فنقل نشاطه الفائق إليهم وشجعهم وقادهم للتميز ..
أذكر أنني بمجرد عملي في المركز حصلت علي بطاقة مرتبات زرقاء جميلة وعلمت أن د. إسماعيل هو من أدخل تلك المنظومة علي مركزنا ليسبق بذلك حكومتنا الزاحفة مثل السلحفاه بعشرات السنين في ميكنة المرتبات .. 


كانت أول زيارة لي لمقر المركز عندما شاهدت القصر جميلاً مبهراً ورأيت المباني الرائعة مثل مبني المعامل والمكتبة ومبني الأقسام حرف U ومبني القمر الصناعي وأيضاً المسجد الجميل بملحقاته التي تليق بالإنسان الذي يحارب د. إسماعيل دائماً لأجله .

وكانت المفاجأه عندما علمت أن كل تلك المنشآت بناها هذا الرجل العظيم .. كان المركز قبله مكدساً ومعامله قديمة أصابها التدهور لينقل الدكتور إسماعيل المكان إلي مكانة أخري من الرقي والتحضر والروعة ..

كل يوم كان يزيد إعجابي بالرجل الفريد الذي حارب البيروقراطية والروتين والعفن الوظيفي لينتقل بعد ذلك إلي الإنضباط والجديه والتطور والرقي ..
سمعت الكثير والكثير والكثير عنه من مؤيديه ومعارضيه الكل اتفق علي نزاهته ونظافة يده رغم كل الأموال التي تم ضخها لإنشاءات المركز والمحطة وعلي أعلي المستويات وأفضل طرز العمارة إلا أنه لم يعرف أحدا عنه غير طهارة اليد .

هذه الخصلة هي السر الكبير الذي جعل معارضيه قبل مؤيدية يقعون في حبه والإعجاب به .. كيف وفق الرجل بين انتماؤه لأسره ارستقراطية كبيره وبين بساطته بأن يجلس بين البسطاء ويستمع إليهم ويشعرهم بقيمتهم ويجعلهم يعشقوه لتلك الدرجة فلا أحد ممن عملو معه إلا ويحكي قصة الأسطورة الخالدة في أذهانهم ووجدانهم ..

كيف استطاع التوفيق بين القدرة علي جلب المخصصات لبناء مباني المحطات والإنشاءات الضخمه والإنفاق الضخم لإنشاء المعامل والأبنية الإدارية والشعب والأقسام والمشروعات دون أن يلوث جيبه بجنيهاً واحداً من حرام ..

كيف استطاع أن يوفق بين كونه عظيماً تأتي المناصب تحت قدميه وفي نفس الوقت تجده قريباً من مشكلات الفلاحين وهمومهم ولا يتأخر عن توضيح كل صغيره وكبيره لهم ويولي إهتماماً بأبناؤه من شباب الباحثين وصغار العاملين ..

كيف لرجل مثله هوجم وتم اتهامه بأبشع الإفتراءات التي وصلت حد التشنيع به والتشهير بسمعته حتي أنهم كتبو لافته ضخمه في قلب ميدان التحرير في يناير ٢٠١١ ورأيتها بنفسى مطالبين بمحاسبته ومحاكمته لتمر الأيام ويثبت كذب كل هؤلاء وكل ادعاءاتهم فتمر الأيام ليظل هو واقفاً أصيلاً ويختبئ هؤلاء ولن يذكرهم التاريخ ولن تعرف صفحاته سواه ..

كيف استطاع أن يصبر ويصمد بل ولا يتأخر عن حبه لوطنه وعشقة لمصر بل يكون دائماً في المقدمه .. لا يتأخر أبداً عن تشجيعنا وضخ الأمل في عروقنا ولا ولن أنسي أبداً كيف كان دائماً ما يدعونا للصبر والصمود في كل الأحداث الصعبه التي مررنا بها في سيناء ..
مايزال الرجل يدافع عن سيناء باستماته ويقاتل في كتاباته وتصريحاته من أجلها .. يقف وحده ضد تيار جارف من الإتهام لسيناء وأهل سيناء مدافعاً عنهم يعرف حقيقة الوضع الجاري بكل تفاصيله ..

سيناء تبادله نفس الحب وأهلها يعشقونه ولن ينسوه.
لا ولن أنسي أبداً لا أنا ولا أسرتي أنه كان أول الحاضرين في مناقشتي لرسالة الماجستير بعد دعوة تليفونية كان من الحلم أن أصدق أنه سيلبيها بمنتهي التواضع والرقي ويحمل في يده هدية رائعة ويحضر المناقشة المتواضعة ليرفع من روحنا المعنوية وليهتف في خواطرنا أن الأمل موجود ولا ينقطع وليخاطبني أنا وزوجتي أنكم أبطال ونحن نعيش في مصر بسبب صمودكم وتحملكم ..

كم كنا سعداء سعادة لاتوصف ولن تُنسي وقد كان الجميع لا يصدق وجود الرجل العظيم بيننا في تلك اللحظة .. فليس يربطني به إلا الحب والإحترام والتعظيم لقدره ومالمسته من قدرته علي صنع قيمة الإنسان وليس لي أي مصلحه من قريب أو من بعيد وليس رياءاً أن نذكر الناس بخيرهم وفضلهم …
نحتفل اليوم بعيد ميلاده ونسأل الله العظيم أن يطيل في عمره ويبارك لنا في صحته وأن نستطيع أن نكون علي قدر أمله وتطلعه .. كل عام وحضرتك بيننا تدفعنا للغد بقوه وتفاؤل وأمل .. كل عام وأنتم بخير معالي الوزير أستاذنا الجليل د. إسماعيل عبدالجليل.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى