FAO \ OIEالأخبارالاقتصادالصحة و البيئةامراضبحوث ومنظماتصحة

د طالب مراد يكتب: إتفقنا علي ألا نتفق هو حال طموحات “هيئة إقليمية للصحة الحيوانية بالشرق الأدنى”

مستشار للانتاج والصحة الحيوانية في منظمة “فاو” المكتب الإقليمي القاهرة

مستشار حكومة إقليم كردستان العراق

أثناء انعقاد الجلسة الـ 49 لمجلس منظمة الأغذية والزراعة  (الفاو) في روما أكتوبر 1967، طالب ممثلو دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الشرق الأدنى) بتشكيل هيئة للإنتاج والصحة الحيوانية في إقليمهم أسوة بالمناطق الأخرى من العالم مثل أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية. وبالفعل وافق مجلس المنظمة بقراره المرقم 3-49 على تشكيل الهيئة على أن يكون مقرها القاهرة.
كتب المدير العام لمنظمة (الفاو) في يوم 8 أغسطس  1968 للدول المعنية مناشدًا إياهم للانضمام للهيئة، وطالب المدير العام دول منطقة الشرق الأدنى (شمال أفريقيا والشرق الأوسط) بالرد عليه كتابة في فترة زمنية أقصاها 23 سبتمبر  1968، ولكن حتى 1 يوليو 1975 لم يرد على طلب المدير العام سوى دولة تونس بالموافقة.
ونظرًا للسلبية المعهودة وربما الإهمال في هذا الصدد،  لذا ألغيت الفكرة من قبل نفس المجلس الذي وافق سابقًا على إنشاء الهيئة، ذلك أثناء الجلسة رقم 83  لعام 1983 وضمن الفقرتين 270 و271 وبهذا خرجت الفكرة نهائيًا من حسابات الفاو.
وبعد استلامي وظيفة المستشار الإقليمي للإنتاج والصحة الحيوانية  للشرق الأدنى في القاهرة عام 1996 أحييت فكرة إنشاء الهيئة وقدمت اقتراحًا بذلك للمؤتمر الوزاري الإقليمي الخامس والعشرين للفاو في بيروت عام 2000 ووافق عليه وزراء الزراعة بالإقليم وكان عددهم 25 وزيرًا حاضرًا في الموتمر. وللحقيقة لم تتخذ أية خطوة جادة وبشكل فعلي تجاه هذا القرار، وكان قرار الموتمر كافيًا لاستمرار الوضع على ما هو عليه حتى انعقاد الموتمر الوزاري السادس والعشرين في طهران عام 2002 وقدمت الطلب مجددًا.
 تبنى مؤتمر طهران نفس التوصية ضمن التوصيات المنبثقة عن المؤتمر وبحضور أكثر من عشرين وزير زراعة بالمنطقة. وتكررت نفس الدوامة والحلقة المفرغة في المؤتمر الوزاري الإقليمي السابع والعشرين  بالدوحة 2004، وفي كل مؤتمر يوافق الأعضاء على القرار لكن لا يدخل حيز التنفيذ.(تيتي تيتي مثل ما رحتي اجيتي)
واستمرت  الحالة حتى مؤتمر الثامن والعشرين في صنعاء عام 2006 . ولكن في هذا المؤتمر اتفق الحاضرون على ضرورة حث دول الإقليم على اتخاذ الإجراءات المناسبة للموافقة على إنشاء الهيئة الإقليمية لصحة الحيوان في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، كما طالب المؤتمر منظمة الفاو بضرورة مواصلة جهودها من أجل إنشاء تلك الهيئة.
وبناء على ذلك كتب المدير الإقليمي للفاو والمقيم في القاهرة للدول الأعضاء مطالبًا إياهم بالموافقة كتابيًا على القرار الذي اتخذوه في اليمن.علمًا بأن الهيئات المماثلة يشترط إنشائها أربع دول فقط. وبناء على ذلك وافقت كتابيًا 12 دولة من أصل ثلاثين دولة بالإقليم على إنشاء الهيئة المقترحة. والغريب أن دولًا مثل السودان والسعودية تحججت بعدم وجود أي خلفية لديها عن هذا المقترح (رغم مرور أربعين عامًا عليه) ولهذا لم يستطيعوا اتخاذ أي قرار بهذا الشأن لعدم توافر المعلومات الكافية عن هذه الفكرة لدراسة الموضوع بشكل جيد.
والسؤال هنا: كيف لا تعرف مثل هذه الدول أية معلومات عن إنشاء هذه الهيئة ؟ بالرغم من تأكيد المدير الإقليمي للفاو بالقاهرة على إخطار الدول الأعضاء بأهمية هذه الهيئة ولم توافق سوى 12 دولة فقط، ولهذا تم إخطار دول الشرق الأدنى مجددًا لإعطائها فرصة أخرى للموافقة على هذا المقترح. السوال المطروح كان ألم يحن الوقت لإنشاء هيئة إقليمية للصحة الحيوانية بالشرق الأدنى خاصة أن أمثال هذه الهيئة موجود بالفعل في جنوب شرق آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا؟ ونحن في الشرق الأدنى نكتفي بدخولها حيز التفكير منذ أكثر من نصف قرن، وينبغي هنا ألا نغفل الجهود المصرية والجمعية البيطرية المصرية التي لولاها ما عقد اجتماع واحد بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بالقاهرة حول هذا المقترح. وما زلت أؤكد (رغم إحالتي على التقاعد) على ضرورة إنشاء مثل هذه الهيئة في الإقليم نظراً لعلاقتها الوثيقة بصحة المجتمع والأمن الغذائي، خاصة في ظل تكرار الأزمات المتعلقة بالأمراض العابرة للحدود كالحمى القلاعية، حمى الوادي المتصدع وأنفلونزا الطيور والتي نلاحظ آثارها يوميًا على الأمن الغذائي والاقتصاد القومي، لا سيما وأن الثروة الحيوانية مهمة جدًا للإقليم كونها أساس الأمن الغذائي.
وإقليم الشرق الأدنى بالأخص في أشد الحاجة لهذه الهيئة نظرًا لزيادة التجارة البينية للحيوانات ومنتجاتها يومًا تلو الآخربطرق شرعية وغير شرعية.. ففي كل مرة تنتقل الحيوانات من داخل الإقليم أو خارج الإقليم يصحبها انتقال للعديد من الأمراض العابرة للحدود.. فضلاً عن أنه يتم استيراد أكثر من 70% من البروتين الحيواني من خارج الإقليم كنتيجة طبيعية لنقص الثروة الحيوانية بالدول العربية عن دونها من دول الإقليم . وأسباب هذا النقص كثيرة من أهمها الجفاف وقلة الأراضي الرعوية ونقصها المستمر فضلاً عن زيادة استهلاك الإنتاج الحيواني بالمناسبات الدينية، بالإضافة إلى كثرة الأمراض العابرة للحدود في المنطقة حيث تودي إلى انتقال الأمراض الحيوانية إلى البشر، وها أنا أكتب هذه الكلمات وأنا محبوس في بيتي بسبب واحدة من هذه الأمراض (الكورونا)، ويأتي هذا المقترح على سبيل المثال لا على سبيل الحصر… وقد تطرقت إلى هذا الموضوع بالتحديد نظرًا لعلاقته بالأمن الغذائي والذي تنظر إليه بعض دول العالم بأنه ذات أهمية كبيرة  لا تختلف عن مسألة الأمن القومي..
ويتبادر إلى ذهني تساؤل آخر… ما مدى فاعلية دور وزراء الزراعة بالإقليم في هذه المؤتمرات والتي تعقد مره كل سنتين؟ خاصة وأنهم لا يحضرون سوى عدة ساعات وبعدها يغادرون إلى بلادهم.. فهل يعقل أن هذه المدة تكفي لمناقشة أهم الموضوعات والقضايا الخطيرة بالإقليم ؟
وأتحدث عن هذا الموضوع بالتحديد بناءً عن تجربة شخصية وبحكم منصبي سابقًا كمسئول إقليمي لإنتاج وصحة الحيوان بالقاهرة وممثلاً للفاو في الصومال أثناء الحرب الأهلية.. فقد حضرت المؤتمر الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أديس أبابا 2006، والذي ناقش فيه وزراء الصحة خلال أربعة أيام كل البنود والأفكار المقترحة، وما تم انجازه منها وما يتطلبه لإتمام هذه القرارات،
كما توصلوا إلى قرارات في غاية الأهمية حول الميزانية وأوراق العمل المقترحة التي سيتم مناقشتها خلال المؤتمر القادم أي بعد سنتين. ولهذا فهم أصحاب القرار الأول والأخير . في حين أن مؤتمر وزراء الزراعة بالإقليم يعقد بعد ثلاثة أشهر من المؤتمر العام للفاو والذي يعقد في روما ويحضره وزراء الزراعة كل عامين وذلك للراحة والاستجمام ..
فما الفائدة من المؤتمرات الإقليمية إذا كانت القرارات قد تم اتخاذها بالفعل؟ وما الجديد الذي تضيفه حقًا المؤتمرات الإقليمية لوزراء الزراعة ؟
وما هو دورهم بعد اتخاذ القرارات بالفعل؟ خاصة وأن مثل هذه المؤتمرات تكون كلفتها على عاتق بعض الدول الفقيرة في الإقليم وتنفق الكثير من ميزانيتها على هذه المؤتمرات المنعقدة بشكل روتيني والتي تعتبر من وجهة نظر الكثيرين “عديم الفائدة”.
بالنسبة لقضية أنفلونزا الطيور التي  كانت تؤرق العديد من متخذي القرار والشعب المصري وتمثل خطرًا كبيرًا علي الأمن الغذائي والقومي، وبحكم مسئوليتي عن هذه القضية لكوني كنت عضوًا في اللجنة الوزارية المصرية لأنفلونزا الطيور آنذاك.
أعترف أن الفاو لم تنفذ الدور المطلوب منها والمكلفة به لمكافحة هذه الأزمة، خاصة وأنها قد أوصت مصر وباصرار في بداية الأزمة بضرورة القضاء على كافة الدواجن المنزلية والحقلية (وهذه التوصية جاءت من روما على بعد ألفي ميل)، ولكن لم تنفذ هذه التوصية لأنها كانت ستسبب كارثة اقتصادية في مصر ومستحيلة التنفيذ وذلك لما تمثله من خطورة وتدمير للأمن الغذائي المصري المعتمد أصلًا على “الفراخ”.
ونهاية القول فما زال لدي أمل كبير في تشكيل هيئة الصحة الحيوانية في المنطقة بفضل الإخوة المصريين والأطباء البيطريين المصريين والذي يبلغ عددهم أضعاف عدد كافة الأطباء البيطريين في الدول العربية .
كنا قد حددنا المساهمة السنوية للدول التي تنضم إلى الهيئة بخمسة آلاف دولار أمريكي سنويًا كمساهمة رمزية. من المفارقات التي جلبت انتباهي أنه في كل المؤتمرات الإقليمية للفاو التي حضرتها والتي كان يبحث فيها مشروع تشكيل الهيئة يحضر وفدًا كبيرًا من إحدى الدول العربية النفطية برئاسة وزير زراعتهم بطائرة خاصة تجثم على أرض مطار الدولة المضيفة للمؤتمر لساعات ولغاية ما ينحروا المشروع في مهده بإعلان الفيتو المعهود منهم. علمًا أن كلفة الطائرة الخاصة والوفد الكبير كان يعادل عشرات أضعاف مساهمتهم السنوية ولكن”اتفقنا على أن لا نتفق”.
في هذا المفرق عليّ ومن واجبي أن أذكر دور صديق عمري الراحل عميد الأطباء البيطريين الأستاذ الدكتور فاروق الدسوقي لما قام به من أجل إنجاح هذا المشروع البائس والمهم لنا جميعا.
( البركة في الشباب).

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى