د جهاد إسماعيل تكتب: تأثير التغيرات المناخية على الثروة السمكية

باحث اول – أمراض الأسماك – معهد بحوث الصحة الحيوانية

 التغيرات المناخىة

قد يكون تغير المناخ طبيعيا كتعاقب الفصول الأربعة نتيجة لحركة دوران الأرض على مستوى مدارها   بزاوية  23.5 درجة حول الشمس مرة واحدة كل سنة فلكية (365.25 يوم تقريبا) ،
أو تعاقب الليل و النهار نتيجة لدوران الأرض حول نفسها لمدة ٢٤ ساعة .  أما  تغير  المناخ المعاصر  كالاحتباس الحرارى (global     warming)  يؤثر على أنماط الطقس الجوى سواء بإرتفاع او إنخفاض فى درجات الحرارة و يمكن ان يكون مصحوب بتغير فى سرعة الرياح  او ندرة فى المياه،  مما يؤدى للتسحر او سقوط الأمطار الشديدة فى صورة سيول و كذلك ارتفاع منسوب المياه فى البحار و المحيطات.

أسباب التغيرات المناخىة 

• إنبعاث  الغازات الدفيئة  (ثانى  أكسيد الكربون و الميثان) نتيجة حرق الوقود الأحفورى (الفحم و البترول  و الغاز الطبيعي). أيضاً بعض المماراسات الزراعية و العمليات الصناعية الخاطئة أدت إلى إنبعاث الغازات الدفيئة.
• التلوث البيئي من  نواتج المصانع و عوادم السيارات
• البناء على الأراضى الزراعية و ازلة الغابات

مخاطر التغيرات المناخية

1- زيادة نسبة ثانى اكسيد الكربون فى الغلاف الجوى بنسبة 52% تقريبا عن مستويات ما قبل حلول عام2020،  مما اثرعلى مكونات الغلاف الجوى و الذى أدى بدوره  الى زيادة حرارة الغلاف الجوى و سطح الأرض.

2– زيادة حموضة المحيطات

أدى زيادة ثانى اكسيد الكربون المذاب و حمض الكربونيك و مركبات اخرى لزيادة حموضة سطح المحيط بحوالى 30% . المضخة  البيولوجية البحرية  المسئولة عن  عملية  تحويل المواد الغير عضوية الذائبة  إلى كتلة عضوية و ضخها فى صورة ذائبة إلى اعماق المحيطات، حيث تنقل المضخة حوالى 11مليار طن من الكربون كل عام الى داخل المحيط .   تأثير التغيرات المناخية سلبا على المضخة البيولوجية  سيؤدى   إلى ارتفاع مستويات ثانى اكسيد الكربون فى الغلاف الجوى بنحو 400جزء فى المليون عن المستوى الحالى.

3– إرتفاع مستوى سطح البحر

ساهم  ارتفاع درجة الحرارة على ذوبان التربة الصقيعية و انحسار الأنهار الجليدية و فقدان الجليد البحرى فى  القطب الشمالى مما قد يؤدى لعواقب ضخمة فكلما انخفض مستوى الجليد انخفضت أعداد الكائنات الحية هناك مثل الدب الشمالى. أيضاً ذوبان الأسطح الجليدية  العاكسة لأشعة  الشمس و التى تعمل على عكس أشعة الشمس إلى الفضاء مما يسمح للأرض بامتصاص كمية أكبر من الحرارة.

أوضحت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (  IPCC) أن  بين عامى  1993-2018 ساهم التمدد الحرارى للمياه بنسبة 42% من ارتفاع مستوى سطح البحر و ساهم ذوبان الأنهار الجليدية المعتدلة بنسبة 21% و جرينلاند 15% و القارة القطبية الجنوبية 8%مما أدى  لزيادة ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 3.7ملم سنويا خلال القرن الحادى و العشرين. إرتفاع منسوب  المياه فى  البحار يؤدى لغرق العديد من المدن و الشطأن  مثل الإسكندرية  و بالتالي  يؤدى إلى نقص مصادر المياه العذبة  و التسحر غرق مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية.

التغيرات المناخية والإنتاج السمكى فى مصر 

الأسماك من  أهم مصاد البروتين  فى مصر فمتوسط الفرد من الأسماك 20كم فى السنة و المتوسط العالمى 21.5كم فى السنة،  مما يعنى  قرب اكتفاء مصر  ذاتياً من الاسماك. إن حجم إنتاج مصر من الأسماك يبلغ 2مليون في عام 2022، بنسبة 80%  من المزارع السمكية و  20% من المصايد الطبيعية (بحر المتوسط و الأحمر و نهر النيل و البحيرات).  تصدر مصر 30 ألف طن من الأسماك كل عام و تستورد مصر الأسماك فقط لإرضاء الذوق العام للمستهلك المصرى و الأجانب للأنواع الغير موجوده  فى مصر  و ليس استيراد احتياج مثل القمح.

 المصادر الطبيعية لإنتاج الأسماك :

تمتلك مصر 14 بحيرة طبيعية تتوزع في مختلف أرجائها، هي مريوط و إدكو و البرلس والمنزلة و البردويل وسيوة والبحيرات المرة ونبع الحمراء وبحيرة التمساح وبحيرة بور فؤاد وبحيرة قارون وبحيرة ناصر وبحيرات توشكى وبحيرة الريان.

حتى عام 2004 كان الإنتاج السمكى فى مصر من المصادر الطبيعية يفوق المنتج من الإستزراع السمكى بكثير. نتيجة   لتعرض المصادر  الطبيعية  للتلوث  بالصرف الصحى و الصناعى و الزراعى ، و كذلك الصيد الجأر و تجفيف ألاف الفدادين من البحيرات  تقلص الإنتاج السمكى من المصادر الطبيعية بشكل كبير .  زيادة منسوب المياه فى البحيرات من مياه الصرف ادى الى تغير التركيب النوعى للبحيرات و اختفاء الكثير من الأسماك البحرية ذات القيمة الإقتصادية العالية مثل اللوط و القاروس و الدنيس وأصبح  البلطى  يمثل 52% من اسماك البحيرات بنسبة  كبيرة مقارنة  بالسابق.

تأثير التغيرات المناخىة على الثروة السمكية

الثروة السمكية عنصر هام لتحقيق الأمن الغذائى و هو جزء لا يتجزاء من  الأمن القومى المصرى و العالمى.

• التغيرات المناخية سوف تؤدى  لارتفاع مستوى سطح البحر و الذى سيؤدى بدوره إلى  تعرض مناطق واسعة من المنطقة الساحلية لدلتا النيل للفيضان مما سيؤثر على الاستزراع السمكى فى مصر حيث تقع معظم المزارع السمكية في مصر.
• نمو الأسماك  فى ظروف بيئية غير ملائمة من درجات الحرارة المرتفعة و الذى يتسبب فى قلة نسبة الأكسجين المذاب فى المياه  سيؤثر على العمليات الحيوية الخاصة بالأسماك و قدرتها على التكاثر مما يقلل من كمية و أحجام الأسماك المنتجة  و كذلك قدرتها على مقاومة الأمراض و الحفاظ على النوع.
• ارتفاع درجة الحرارة نتيجة الاحتباس الحراري يمكن أن يؤدي إلى تغير طبيعة البيئة البحرية ، مما يؤدي إلي تعريض حياة الآلاف من فصائل الأحياء المائية إلي خطر التهديد بالانقراض.
• قد تلجاء بعض انواع الأسماك  للهجرة من موطنها الأصلى بحثاً عن بيئة ملائمة لحياتها  و قد تتعرض فى رحلتها للنفوق أو الافتراس و يتسبب ذلك فى إنقراض بعض أنواع الأسماك.  قد تنقل الأسماك المهاجرة بعض الأمراض للبيئة الجديدة و  قد يحدث تنافس بين الأنواع المختلفة للأسماك الموجودة بصورة طبيعية في المكان والأنواع الوافدة عليها على الغذاء والمساحة المتاحة.  قد تغير الأسماك من سلوكها لتستطيع التأقلم مع البيئة الجديدة مما  قد يؤدى لتغيرات وراثية فى بعض أنواع الأسماك.

جهود الدولة لزيادة انتاج البحيرات من الأسماك

انتاج البحيرات فى مصر يمثل  62%  من %20 الخاص بالإنتاج الكلى للمسطحات الطبيعية مما يعنى ان البحيرات تعتبر  اهم المصادر الطبيعية لإنتاج الأسماك التى ستتاثر بالتغيرات المناخية من زيادة درجة الحرارة و ارتفاع منسوب سطح البحر ، ذلك لأن معظمها يقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط و و بالتالى هناك تأثير مباشر عليها،

لذلك تبذل الدولة جهود كبيرة لزيادة إنتاجها. فقد تم إنشاء محطة معالجة ثلاثية لمصرف بحر البقر الذى يصرف فيه خمس محفظات و يصب فى بحيرة المنزلة و استخدامها فى زراعة الاراضى الصحراوية فى سيناء.

قد تم فتح بواغيز جديدة على البحيرات لزيادة منسوب مياه البحر فى البحيرات مما زاد الإنتاجية فى بحيرة المنزلة من 42الف طن عام 2016الى 82الف طن نهاية عام 2019 و بداء دخول الأسماك ذات القيمة الإقتصادية العالية لبحيرة البرلص ليزيد الإنتاج من 65الف طن عام 2015 إلى 100الف طن  2020 و زيادة إنتاج بحيرة مريوط من  9 الف طن عام 2013 الى 15الف طن عام 2020.

جهود الدولة فى مجال الإستزراع السمكى:

حاز قطاع الثروة السمكية على أهمية كبيرة من الدولة فى السنوات الأخيرة ، حيث قامت الدولة بضخ مليارات الجنيهات للإستثمار فى قطاع الإستزراع السمكى فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى. هناك تقدم مستمر فى مجال الإستزراع السمكى فى مصر ، ففى عام 2000 كان الإنتاج 700الف طن  و اصبح 1.6 مليون طن.  أصبح القيمة التسويقية لقطاع الإستثمار السمكى فى مصر يعادل 67 مليار جنيه مما يجعل هذا القطاع ذو أهمية اقتصادية كبيرة .فقد تم  إنشاء العديد من المشروعات الإستزراع السمكى على مستوى عالى  و تفنية عالمية حازت تقدير كل المتخصصين العالميين فى مجال الإستزراع السمكى ، مثل مشروع بركة غليون و مشروع قناة السويس للإستزراع السمكى و مشروع فيروز شرق التفريعة مما ساعد على زيادة إنتاج الأسماك بشكل كبير يوفى إستهلاك المواطن المصرى و يسمح بالتصدير.

– إنشاء العام الماضى مشروع عملاق لاستزراع السمكى فى الاقفاص البحرية بما يعادل   12  قفص فى البحر الأبيض المتوسط و 9 اقفاص فى البحر الأحمر و هو ما يكون له كبير الأثر فى زيادة الإنتاج السمكى فى مصر بشكل كبير. كما تسعى مصر لتوسيع نطاق الصيد فى المياه الأقليمية و خارج المياه الأقليمية و التوسع فى الإستزراع الصحراوى.   صدور القرار رقم   146 لسنة 2020  بإنشاء جهاز تنمية و تطوير البحيرات و الثروة السمكية سيساعد فى فى التغلب على الكثير من مشكلات هذا القطاع الحيوى

التوصيات للحد من التغيرات المناخية 

• يجب الإتجاه إلى توليد الطاقة من الموارد الطبيعية صديقة للبيئة التى لا تنفذ و تتجدد بإستمرار مثل الرياح و المياه و  الشمس و حركة الأمواج و المد و الجزر و حرارة الأرض.

تقليل توليد الطاقة من الوقود الأحفورى ( فحم و بترول و غاز طبيعى ) الضار للبيئة و الذى ينتج عنها غازات تزيد من الإحتباس الحرارى مثل ثانى اكسيد الكربون

• يجب الحد من ازالة الغابات للتوسع السكاني والصناعي لتقليل  تأثير التغيرات المناخية
• التوسع في زراعة الغابات الصناعية والحد من انبعاثات الكربون على مستوى الكرة الأرضية
• عمل دراسات علمية تطبيقية لإنتاج سلالات من الأسماك قادرة على تحمل التغيرات المناخية  من  أرتفاع الحرارة و نسبة الملوحة.
• الحد من تلوث البحيرات و المصادر الطبيعية للأسماك
• تكاتف الجهات المختلفة من  وزارات و جامعات و مراكز بحثية لتوعية المجتمع بخطر التغير المناخي و ضرورة تغيير بعض سلوكيات و ممارسات المجتمع التى تزيد من حدة التغير المناخي.