حوارات و مقالات

د. رنا البيومى تكتب : ضربة البروسيلا.. تهديد مدفون في كوب الحليب

على الرغم من التأكيد المستمر على فوائد استهلاك الحليب ومنتجات الألبان للأطفال والبالغين، إلا أن هناك جانبًا مظلمًا يتجاهله الكثيرون. هل يمكن لهذا الشراب الغذائي المعروف أن يكون سببًا في الإصابة بأمراض خطيرة؟ لنلقِ نظرة عميقة على الحليب القاتل الصامت، وهو مرض يمكن أن يصيب الأشخاص الذين يستهلكون الحليب الذي لم يتم معالجته بشكل صحيح أو الملوث بالبكتيريا الضارة.

ما هو مرض البروسيلا ؟

تعتبر البروسيلا من الأمراض الحيوانية المنشأ التي يتم تجاهلها كثيرًا، على الرغم من تأثيراتها الصحية والاقتصادية الخطيرة. هذا المرض، الذي ينتقل من الحيوانات المصابة إلى الإنسان، يشكل تهديدًا كبيرًا، خاصة في قطاع الثروة الحيوانية ومنتجات الألبان.

تتوزع نسب وجود بكتيريا البروسيلا في الحليب ومشتقاته حيث تظهر أعلى نسبة في حليب البقر الخام، يليها حليب الماعز الخام، ثم حليب الإبل الخام وحليب البقر المبستر. بعد ذلك، نجد نسبة أقل في حليب الأغنام الخام، تليها في الجبن، ثم الكريمة، وأخيرًا الآيس كريم.

انتشار البروسيلا وتأثيراته الاقتصادية

تصيب البروسيلا العديد من الحيوانات بما في ذلك الأبقار، الأغنام، الجمال، وحتى الحيوانات البرية مثل الثعالب والخفافيش حيث يسبب هذا المرض إجهاض الحيوانات، تقليل خصوبتها، وذبح الحيوانات المصابة، مما ينعكس بشكل مباشر على الثروة الحيوانية.                           .

والأخطر من ذلك هو انتقال البروسيلا إلى البشر عبر عدة طرق، مثل التعامل المباشر مع الحيوانات المصابة أو منتجاتها، واستهلاك منتجات الألبان غير المبسترة، أو حتى من خلال الهواء الملوث.

ولذلك يُعد العاملون في مزارع الألبان، والمجازر، والمختبرات من أكثر الفئات عرضة للإصابة بهذا المرض. وعلى الرغم من ندرة انتقال العدوى من إنسان لآخر، إلا أن هناك بعض الحالات المسجلة عن طريق الاتصال الجنسي، ونقل الدم، وأيضا زرع الأنسجة.

الوضع الحالي لمرض البروسيلا في مصر

في مصر، تم تسجيل أول حالات البروسيلا في عام 1939. وتشير الدراسات إلى انتشار المرض في منطقة دلتا النيل بنسبة أكبر من 6.05% بين الأبقار، بينما تحمل نسبة كبيرة من الأبقار والأغنام في المناطق الريفية أجسامًا مضادة للبروسيلا، مما يشير إلى انتشار واسع للمرض.

تحديات منتجات الألبان

«صحتك في العلبة دي» علامة الأمان على علبة اللبن او أي منتج من الألبان
«صحتك في العلبة دي» علامة الأمان على علبة اللبن او أي منتج من الألبان

يعد إنتاج الحليب ومشتقاته من الأنشطة الاقتصادية الهامة في مصر. وتعتبر نسبة استهلاك الحليب للفرد مؤشرًا على التقدم الاجتماعي. وفقا لبيان وزارة الزراعة، فإن نصيب المواطن المصري من استهلاك الألبان يقدر بحوالي 23 كيلو سنوياً، مقابل 100 كيلو جرام نصيب الفرد عالمياً، ويرتفع إلى 180 كيلو في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وبحسب تقرير صادر عن وزارة الزراعة، فإن إنتاج الأبان في مصر موزع بين الحيوانات المحلية والحيوانات المستوردة، إذ نحو 80% من الحيوانات المنتجة للألبان محلية، و20% مستوردة.

ويبلغ إنتاج مصر من الألبان نحو 7 ملايين طن سنوياً، في حين تُقدر الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج بنحو 2.2 مليون طن سنوياً يتم تعويضها عن طريق استيراد ألبان البودرة، التي تتراوح قيمتها بين 500 مليون دولار ومليار دولار سنوياً.

ووفقاً لهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، ارتفعت واردات مصر من اللبن البودرة من 121 ألف طن في 2019 إلى 423 ألف طن عام 2020. ومع ذلك، فإن القيمة الغذائية العالية لهذه المنتجات تجعلها بيئة خصبة  لتكاثر العديد من البكتيريا ، ومنها البروسيلا.

.حيث تشير الدراسات إلى أن البروسيلا يمكن أن تعيش لفترات متفاوتة في منتجات الألبان، بحد اقصى (87 يومًا) ، وادنى في الماء (60 يومًا)، والأقل في الزبادي (أقل من أسبوع) .

في أحد الدراسات قام الباحثون بجمع معلومات الدراسات السابقة حول نسبة وجود بكتيريا البروسيلا في مشتقات الحليب في الشرق الأوسط فكانت أعلى وأقل نسب من بكتيريا البروسيلا في حليب البقر الخام هي نسب 3% في السعودية و82% في تركيا.

بينما أعلى وأقل نسب من بكتيريا البروسيلا في حليب الأغنام وحليب الجاموس الخام هي 68% في العراق، و 10% في إيران، و1% في مصر.

أما حليب الجمال تم قياسها في دراسة واحدة من السعودية بمقدار 24% , أعلى وأقل نسب من بكتيريا البروسيلا في مشتقات الحليب كانت في الكويت (62%) وفي مصر 15%.

وقد وجدت نسبة وجود البروسيلا في الحليب المبستر أيضاً لتصل إلى نسبة 29% في إيران مما يدل على قلة الرقابة وفعالية عملية البسترة.

المبادرات الوقائية لمرض البروسيلا

لمواجهة هذا التحدي، يجب تبني إجراءات وقائية فعالة مثل بسترة الحليب وتأثير البسترة على الميكروبات يكون بالقضاء على جميع الملوثات الميكروبية المسببة للأضرار الصحية ومعظم الميكروبات الأخرى، ويوقف التبريد نشاط المتبقي منها لعدة أيام هي فترة صلاحية الحليب المبستر، ولذلك يعتبر تبريد الحليب فوراً بعد بسترته جزءًا متمماً لعملية البسترة : (صحتك في العلبة دي) (البسترة تجعل الحليب مصدراً للصحة وليس للمرض).

والخطوة الأهم هو دور الطبيب البيطري بالفحص المستمر للحيوانات لتقليل أعداد الحيوانات المصابة التي هي مصدر عدوى للإنسان و الحيوان بالإضافة إلي التحصين الدوري و المستمر للحيوانات السليمة،.حيث يُعد تحصين الماشية من أكثر الوسائل فعالية لمنع انتشار المرض. كما يجب على جميع الأطراف المعنية، من منتجين وأطباء بيطريين وعاملين في المجال، التعاون وتطبيق اللوائح الصارمة لضمان نجاح هذه المبادرات.

تعبئة اللبن
تعبئة اللبن

فإن البروسيلا تمثل تحديًا كبيرًا للثروة الحيوانية ومنتجات الألبان في مصر. ولذلك يجب أن تتضافر الجهود من قبل جميع الجهات المعنية لتبني استراتيجيات وقائية وعلاجية فعالة، لضمان سلامة المنتجات الغذائية وصحة الإنسان والحيوان على حد سواء. علينا أن نتعامل مع هذا الخطر بجدية لضمان مستقبل صحي واقتصادي أفضل لمجتمعنا.

عن كاتب المقال

د. رنا السعيد البيومى ، معهد بحوث الصحة الحيوانية بالمنصورة

 

زر الذهاب إلى الأعلى