د نبيل إبراهيم يكتب: أهمية برامج التحسين الوراثي في الإستـزراع المائي

الأستاذ بالمعمل المركزي لبحوث الثروة السمكية – رئيس قسم الوراثة السابق بالمركز الدولي للأسماك

حقق إنتاج تربية الأحياء المائية في العالم رقماً قياسياً بلغ 82.1 مليون طن من الوزن الحي في عام 2018. وبلغ إجمالي قيمة البيع من المزرعة 250.1 مليار دولار أمريكي (منظمة الأغذية والزراعة 2020). نما الإنتاج العالمي من تربية الأحياء المائية (الاستزراع المائي) في المتوسط بمعدل 5.3 في المائة سنويًا في الفترة 2018 – 2021.

يعتبر الطلب المتزايد على الأسماك والذي يحركه النمو السكاني والاقتصادي في العالم كله، مؤشر على الإمكانات الكبيرة لتنمية تربية الأسماك. ويعتبر التوسع السريع في إنتاج تربية الأحياء المائية هو الحل لسد الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب على الأسماك (Beveridge et al.، 2013).

الاستزراع السمكي يعتبر صناعة نامية وواعدة على مستوى العالم، حيث أنه بالإضافة لمصايد الأسماك يعتمد عليها أكثر من 800 مليون شخص في معيشتهم، معظمهم من دول العالم النامي. الزيادة المطردة في عدد السكان (وبالتالي الزيادة في الطلب على البروتين الحيواني)، مع ثبات الموارد أو انخفاضها في بعض الأحيان، تجعل الزيادة الأفقية في إنتاج تربية الأحياء المائية (زيادة الإنتاج عن طريق زيادة المتاح من المساحات ووسائل الإنتاج) صغيرة جدًا لندرة المياه المتوفرة والأراضي الصالحة للاستزراع المائي.

الحل الوحيد المتاح لسد الفجوة بين زيادة الطلب والعرض هو الزيادة الرأسية (زيادة الإنتاجية لكل وحدة مساحة).

وتعتبر الوراثة (برامج التحسين الوراثي) أهم أدوات هذه الزيادة، ومع ذلك، غالبًا ما يستخدم المزارعون زريعة أو اصبعيات رديئة الجودة مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية.

ولزيادة الانتاجية، يجب تضافر جميع الجهود الممكنة والاعتماد على برامج التحسين الوراثي لتطوير المعرفة والتكنولوجيا الجديدة في السلالات المحسنة، والاهتمام بصحة الأسماك، والأعلاف المتخصصة، وممارسات الإدارة الجيدة.

تعتبر برامج التحسين الوراثي )ذات أهداف التربية المحددة جيدًا( هي المسؤولة عن التحسينات الهائلة في أداء الإنتاج الحيواني للحيوانات المزرعية الأرضية.

على سبيل المثال، منذ حوالي عام 1960، تضاعف متوسط وزن دجاج التسمين البالغ من العمر 56 يومًا أربع مرات، بزيادة قدرها 85-90 في المائة من التحسن بسبب التحسين الوراثي، وتضاعف إنتاج حليب أبقار الهولشتاين. وبالتالي، فإن زيادة معدلات نمو الأسماك وبالتالي زيادة الإنتاجية السمكية هي أيضًا أحد أهم الآفاق المستقبلية لبرامج التحسين الوراثي، على غرار ما تم القيام به في مجال الثروة الحيوانية والدواجن.

زيادة معدل النمو وحدها لن توفر مزارع سمكية مستدامة قادرة على مقاومة تغير المناخ ومسببات الأمراض وتحمل الظروف البيئية السيئة الأخرى، برامج التحسين الوراثي يمكنها إضافة العديد من السمات الإنتاجية للأسماك المحسنة وراثياً، مثل مقاومة الأمراض، والتي جاءت في المقام الأول لمدة خمس سنوات تقريبًا بسبب تفشي أمراض الأسماك التي يعاني منها قطاع الاستزراع السمكي والتي لم تكن منتشرة من قبل.

أيضًا، يمكن لبرامج التحسين الوراثي تحسين مقاومة البرودة في أسماك المياه الدافئة ومقاومة ارتفاع الحرارة في أسماك المياه الباردة، فضلاً عن تحمل الملوحة، من أجل تمكين مزارعي الأسماك الذين ليس لديهم مصدر جيد للمياه العذبة من تربية أسماك المياه العذبة. وبالتالي، يمكن لبرامج التحسين الوراثي أن توفر المزيد والمزيد من الصفات الإنتاجية التي تساهم بشكل فعال في زيادة إنتاجية الوحدة من المساحة، مما يزيد الربح وبالتالي استدامة وتنمية نشاط تربية الأحياء المائية.

تم اختبار سلالة البلطي النيلي العباسة المحسنة وراثيًا (GIANT) والمنتجة في المركز الدولي للأسماك العباسة – مصر تم اختبارها تحت ظروف المركز (مكان انتاجها) في جيليها الثامن والتاسع، ضد سلالة كفر الشيخ التجارية (المستخدمة على نطاق واسع حيث تعتبر واحدة من السلالات الأكثر شيوعًا وإنتاجًا في صناعة البلطي في مصر) وقد نشرت نتائج هذه الدراسة سنة 2013 حيث تم تكرارها مرتين لتأكيد النتائج المتحصل عليها, ووجد أن سلالة GIANT قد نمت بنسبة 28٪ أسرع من سلالة كفر الشيخ. وبناءً على هذه النتيجة، تم اعتماد استراتيجية توزيع لنشر الجيل التاسع (G9) من سلالة GIANT (المشتقة من 114 عائلة نصف أشقاء) في جميع أنحاء البلاد إلى حوالي 1500 مزرعة سمكية في خمس محافظات لديها صناعات استزراع مائي كبيرة، كفر الشيخ، البحيرة، الشرقية في منطقة الدلتا إلى جانب الفيوم والمنيا في صعيد مصر.

في عام 2019، نشر إبراهيم وآخرون نتائج دراسة عن تقييم تأثير انتشار سلالة البلطي النيلي العباسة المحسنة وراثيًا (GIANT-G9) مقابل السلالات التجارية في بعض المحافظات المصرية. تهدف إلى تقييم تأثير الجيل التاسع من سلالة GIANT على مستوى المزرعة بعد انتشارها في المزارع السمكية لأول مرة في مصر.

غطت هذه الدراسة 303 من أحواض الأسماك بمساحة إجمالية قدرها 857 فدانًا (360 هكتارًا) تنتمي إلى 83 مزرعة سمكية في أربع محافظات مصرية. أشارت النتائج إلى أن استخدام GIANT في جميع المحافظات حقق إنتاجية سمكية أعلى (12.3-26.4٪) بمتوسط عام 18.8٪ و 15.7٪ أقل FCR (نسبة تحويل العلف) ، مما عكس تأثيراً إيجابياً على الأرباح الصافية للمزارعين الذين استخدموا السلالة المحسنة (GIANT) مقارنة بأولئك الذين استخدموا السلالات التجارية.

إذا طبقنا هذه النتائج على نصف مزارع الأسماك فقط في مصر “على سبيل المثال” فسوف نحصل على النتائج التالية. توفير ما لا يقل عن 12 ألف فرصة عمل سنويًا وتوفير حوالي 90 ألف طن من أعلاف الأسماك “الحفاظ على البيئة” ، وسيضخ 190 مليون دولار في قطاع الاستزراع المائي سنويًا. (تم أخذ كل هذه الافتراضات في الاعتبار بافتراض أن السلالة المحسنة تنمو بنسبة 20٪ فقط أكثر من السلالة غير المحسنة وأن نصف المزارعين المصريين فقط سيتبنون السلالة المحسنة).

ولا يزال التحسين الوراثي للأنواع المائية المستزرعة في مهده وبدايته الأولى، ولكن كل المؤشرات تشير إلى إمكانية تحسين الأداء بشكل كبير للصفات الهامة المتعلقة بالإنتاجية السمكية. والتكنولوجيا الجديدة القادمة “الانتخاب الجينومي”، والتي تعتمد على بناء خريطة وراثية لكل نوع سمكي ستمكن الباحثين من الانتخاب لأكثر من صفة واحدة في نفس الوقت، مما يزيد من الاستجابة للانتقاء ويسرع من الحصول على السلالات المحسنة التي تحتوي على الصفات المرغوبة، مما يعني الحصول على الأهداف المرجوة من الانتخاب من حيث النمو الأسرع، ومقاومة الأمراض، وتحمل البرودة / الحرارة، وتكوين الذبيحة، وكفاءة التغذية، إلخ … في وقت أقصر.

المراجع:

Beveridge,M. C. M., Thilsted, S. H., Phillips, M. J., Metian, M., Troell, M., & Hall, S. J. (2013). Meeting the food and nutrition needs of the poor: the role of fish and the opportunities and challenges emerging from the rise of aquaculture. J. Fish Biol. 83, 1067–1084.

FAO. 2020. The State of World Fisheries and Aquaculture 2020. Sustainability in action. Rome. https://doi.org/10.4060/ca9229en

Ibrahim, N.A., Nasr-Allah, A.M., Charo-Karisa, H., 2019. Assessment of the impact of dissemination of genetically improved Abbassa Nile tilapia strain (GIANT-G9) versus commercial strains in some Egyptian governorates. Aquac. Res. 50 (10), 2951–2959. https://doi.org/10.1111/are.14249.

Ibrahim, N. A., Abou Zaid, M. Y., Khaw, H. L., El-Naggar, G. O., & Ponzoni, R. W. (2013). Relative performance of two Nile tilapia (Oreochromis niloticus Linnaeus) strains in Egypt: The Abbassa selection line and the Kafr El Sheikh commercial strain. Aquaculture Research 44, 508–517.

WorldFish website: http://blog.worldfishcenter.org/2017/12/improved-breeds-show-increased-potential-for-aquaculture/