الأخبارالمياهبحوث ومنظماتمصر

د أسامة سلام يكتب: الماء والأديان والمعتقدات وزمن الكورونا

خبير موارد مائية -هيئة البيئة أبوظبي

لا يمكن في زمن الكورونا أن نقول ثم أما بعد لذا فكل المحاولات لتوقع ما بعد كورونا والكتابة عن المستقبل هي محاولات عابثة تحمل في طياتها عوامل فشلها وقصورها ونقدها فالمستقبل بعد كورونا سيتغير بنفس صدمة الكورونا للبشرية كلها، لذا فقد فضلت في هذه المرحلة أن أقرأ كثيرا فيما قبل لعل وعسى أن أجد مايلهمنا الصبر والتفكير بروية.

لا اعتقد بوجود أي انسان في هذا العصر، وعلى هذا الكوكب الأرضي، لا يعرف ما للماء من أهمية كبيرة. ولذا نجد ما يشغل بال العلماء هو محاولة اكتشاف ولو أثر بسيط للماء في الكواكب الأخرى، ليكون دليلا قاطعا على وجود نفس الحياة في تلك الكواكب. والماء في الطبيعة يشكل أهمية كبيرة لا يمكن الاستغناء فبجانب الأهمية العلمية والحياتية، احتل أيضا أهمية كبيرة كما في العقلية الدينية والروحية لكثير من أديان ومعتقدات الإنسان قديما وحديثا لا تقل عن أهميته العلمية. فلا تخلو عقيدة دينية إلا وكانت تقدس الماء، بطريقة أو بأخرى.

ويذكر التاريخ أن الديانات والمعتقدات المصرية والسومرية والبابلية والكلدية والآشورية لها الكثير من الممارسات والطقوس والتي كانت تقام بمصاحبة المياه الجارية النقية، والتي تمتلك صفة الحياة.

فمثلا في مصر كان التلميذ المرشح للكهانة إذا نجح في الامتحان القاسي الذي يجري له، يخلع ملابسه ويستحم (يتطهر) في الماء ويطيبونه بالعطور ثم يرتدي زي رجال الدين، وكذلك يقوم الكاهن بطقوس التطهير لنفسه وللمعبد، وذلك قبل الشروع في أداء شعائر العبادة.

ويقوم الفرعون بمراسيم تبخير المعبود وتطهيره بسكب المياه المقدسة عليه، ثم يقدم القرابين لأبيه الذي يمنحه الحياة، وللعلم فالمصريين القدماء عرفوا الأحواض المقدسة المملوءة بالمياه الخاصة للتطهير. وقد استوعب المصريون، هذه الهبة الكونية فسموا مصر هبة النيل، وقدموا له الصبايا الجميلات قرابين بشرية لإرضائه.

في الحضارة الرافدينية القديمة. كانت الآلهة انانا قد استعادت الحياة بتناولها طعام الحياة وماء الحياة، بعد أن اوشكت على الموت. ونجد التفريق واضحا بين المياه العذبة (الالهة ابسو) والمياه المالحة (الالهة تيامت). فالإلهة (تيامت) مصدر أساسي للموت والأمراض عند البابليين، والإله (ابسو) الذي يعتبر مصدر الشفاء والطب، لأنه إله المياه العذبة، فهو أبو الإله (ايا) الذي هو رب الطب الأعلى.

والماء ذو قيمة عظيمة وفي مرتبة عالية جدا في الممارسات والفكر الديني الإسلامي كما ذكر القرآن الكريم (وخلقنا من الماء كل شيء حي)، أي انه أساس لكل شيء حي، وهذا تقديس كبير للماء. ولا يخلو أي مسجد من مصدر للمياه النظيفة السائلة يستخدمه المسلمون للوضوء قبل الصلاة خمس مرات في اليوم. كما تشكل مياه زمزم المقدسة أهمية كبيرة جدا لدى كافة المسلمين.

وفي المسيحية نجد في الماء عنصرا مهما في إقامتها لمراسيم التعميد ولا يستعاض عنه. كما أن السيد المسيح (عليه السلام) تعمد بالماء الجاري (نهر الأردن) على يد النبي يحيى يوحنا فكان لهذا التعميد أثره الخاص والمهم بلاهوت المسيح والكنيسة من بعده. فيدخل الماء في عملية التعميد الكنسي وصلوات القربان المقدس عند المسيحيين كرمز للتطهير من الذنوب.

وفي اليهودية: الماء مقدس تقديسا كبيرا وهذا يظهر جليا واضحا في مراسيمها الدينية، وفي فكرها أيضا (روح الله يرف على وجه المياه) التوراة\التكوين. ومن فرائض اليهودية أيضا استخدام الماء في طقوس التنظيف وتبرئة الذات من الذنوب وفي التعميد أحيانا. كما يعمد اليهود إلى غسل أياديهم قبل كل وجبة طعام وعن طريق تقليب الماء بين الكفين اليسرى واليمني بمثابة تبرك.

ويعتبر الهندوس الغانج النهر الأكثر قداسه. وأهميته الدينية أكبر من أهمية أي نهر آخر في العالم وتوجد على ضفافه أماكن كثيره يحج إليها الهندوس, من أهمها هاردوار والله آباد وفار اناسي. ويعتبر الغانج مقدساً لسببين، الأول اسطوري والثاني للخواص الطبيعية لمياهه. وتقول إحدى الاساطير أن الغانج يجري في الجنة وقد نقل إلى الأرض ومنذ ذلك الوقت بدأ الناس في عبادته.

ويحتضن إقليم البنجاب شمال شرقي باكستان، بحيرة “أمريت كوند” المقدسة عند معتنقي الديانات الهندوسية والبوذية والسيخية وتحيط بالبحيرة معابد “كاتاس راج” الهندوسية، والتي يعود تاريخها إلى ألفين و300 عام، بحسب مؤرخين.

ويعتقد الهندوس، أن مياه البحيرة تكونت من دموع الإله “شيفا”، وأن أول المعابد في محيطها بناه الإله “كريشنا”. ويقصد البحيرة آلاف الهندوس سنويا، لممارسة شعائر التعبد والدعاء، والتداوي من الأمراض، فهم يعتقدون بقدرة مياهها على العلاج. وبجانب الهندوس، تعد بحيرة “أمريت كوند” مقدسة عند البوذيين والسيخ، ويقبلون على زيارتها بشكل متكرر طوال أيام السنة.

وبالنسبة إلى طائفة السيخ، تعود قدسيتها للزيارات الثلاث التي أجراها مؤسس الديانة السيخية “ورو ناناك”، إلى البحيرة، في القرن الـ 16 الميلادي.  أما البوذيون، فيعتقدون أن البحيرة تشكلت من مياه عشر نوافير موجودة تحت معبد بوذي بجانبها، يعود تاريخ إنشائه إلى القرن الـ 13، بحسب معطيات تاريخية. وتوجد في المنطقة 7 معابد هندوسية ومعبد بوذي، وحافظ عليها المسلمون منذ انفصال باكستان عن الهند عام 1947.

المصادر

·         أسطورة الماء في الأديان، فكرا وطقسا لعلاء النشمي

·         نهر الغانج – ويكيبديا

·         بحيرة “أمريت كوند” في باكستان.. يقدسها أتباع ثلاث ديانات كاتاس/ بهلول تشيطينكايا/ الأناضول

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى