الأخبارالصحة و البيئةمصر

د أشرف عزالدين: رقمنة الصحة الحيوانية أمن قومي

>>التحول الرقمي في مجال الثروة الحيوانية بمثابة "الثورة الخضراء الثالثة"، حبث تتيح الرقمنة في مجال الصحة الحيوانية أنظمة أكثر صحة واستدامة لإنتاج الغذاء الحيواني

قسم بحوث البروسيلا، معهد بحوث الصحة الحيوانية، مركز البحوث الزراعية

تشكل التجمعات الصغيرة والمتوسطة لحيوانات المزرعة أكثر من 80 ٪ من الثروة الحيوانية وهي عبارة عن حيازات فردية للمزارعين، الأمر الذي يجب أخذه في عين الاعتبار عند اختيار الحلول الذكية للنهوض بالثروة الحيوانية كماً وكيفاً، ويواجه المزارعون اليوم تحديات متعددة بدءاً من البنية التحتية إلى صعوبة التواصل مع الخبراء طلباً للنصح والإرشاد.

وبالرغم من الغزو التكنولوجي السريع لكل الصناعات، إلا أن ذلك الغزو مازال متأخراً على مستوى العالم في مجال الزراعة والثروة الحيوانية لأسباب اقتصادية حيث تتغير اقتصاديات تلك الصناعة من موسم لآخر فهي ليست مربحة دائماً، وحتى تصبح مربحة دائماً لابد من الاستثمار قي التكنولوجيا بشكل تدريجي وفق خطة مدروسة، ومن العقبات التي تواجه انتشار الرقمنة في مصر والعالم هو عدم إلمام بعض الفلاحين والمربين بالتكنولوجيا الرقمية رغم امتلاك معظمهم للهواتف الذكية، كما أن ضعف البنية التحتية الرقمية في بعض القرى والنجوع قد يحول دون تطبيقها.

وتعد الزراعة الذكية أو الرقمية حلاً تقنياً ضرورياً لزيادة الإنتاج القائمة على أساس الزراعة الدقيقة خاصة مع التغيرات المناخية لتجنب الفقر العالمي المتوقع المصاحب لتضاعف أعداد السكان في عام 2050، مما يستدعي أن تصبح جميع أنظمة الثروة الحيوانية أكثر استدامة وأكثر كفاءة وأن تكون التقنيات الرقمية أدوات أساسية لتحقيق هذا الهدف.

ويعد التحول الرقمي في مجال الثروة الحيوانية بمثابة “الثورة الخضراء الثالثة”، حبث تتيح الرقمنة في مجال الصحة الحيوانية أنظمة أكثر صحة واستدامة لإنتاج الغذاء الحيواني من خلال حزمة من الفرص مثل زيادة أمن وسلامة الغذاء والمرونة في مواجهة الأزمات الاقتصادية الشديدة وتعزيز كفاءة الموارد والحد بشكل كبير من الفاقد والمهدر من الثروة الحيوانية من خلال منع انتشار الأمراض والأوبئة خاصة تلك التي تتسبب في النفوق الجماعي.

يمكن الاستعانة بالأنظمة الذكية لرصد صحة الحيوان إعتماداً على إنترنت الأشياء (internet of things, IoT) والهواتف الذكية (smartphones) للتتبع اللحظي للمعلومات الفسيولوجية مثل درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والاجترار وجودة اللبن وهرمونات الحمل ودرجة الحرارة والرطوبة الجوية المحيطة بالحيوان .

كما يمكن للمستخدم الوصول إلى المعلومات من أي مكان باستخدام الإنترنت وتطبيق أندرويد مثبت على الهاتف الذكي الذي أصبح في متناول الجميع، حيث يمكن لمقدمي الرعاية للحيوانات وصانعي القرار الوصول باستمرار إلى البيانات والمعلومات وتبادلها من خلال هواتفهم لتتبع صحة الحيوان في الوقت الحقيقي لحظة بلحظة لكل حيوان واتخاذ قرارات وتقديم علاجات سريعة وموجهة للحيوانات نظراً للعدد المتزايد من الحيوانات في المزارع الكبيرة حيث لم يعد هناك وقت لدى المزارع لمراقبة كل حيوان على حدى.

وتتيح الأجهزة المحمولة الجديدة التي تعمل بالأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء للمزارعين مراقبة أفضل واستكشاف المشكلات مبكراً، حيث تفحص تلك الأجهزة عينات من العلف وترسل النتيجة مباشرة إلى الهاتف المحمول للمزارع، مما يتيح له الوصول إلى المعلومات الغذائية أثناء تواجده في الموقع في ذات الوقت، وذلك كبديل عن الطرق التقليدية والتي تتطلب في كثير من الأحيان إرسال عينات لفحصها في المختبر وهي عملية مكلفة وطويلة، وبذلك تمنح هذه القدرات الجديدة المزارع تحكماً أفضل وثقة في الأعلاف لتغذية الحيوانات بشكل سليم والتنبؤ بالإنتاج والربحية لمزرعته.

وقد أصبح مفهوم “البقرة الموصولة” (connected cow) تعبيراً عن تزويد المزيد من قطعان الألبان بأجهزة استشعار لمراقبة الصحة وزيادة الإنتاجية، ولقد تطورت المستشعرات القابلة للارتداء على جسم الحيوان من الخارج (كما بالشكل) فأصبحت قادرة على تواصل الحيوانات عن بُعد بالمزارعين والأطباء البيطريين وصانعي القرار وربما الجمهور عبر إنترنت الأشياء وتطبيقات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأنظمة الكمبيوتر الصحية لتتبع صحة القطيع من خلال بيانات مفصلة.

كما يمكن أيضاً تسجيل صحة القطيع حيث يمكن أن تشير الحركات غير المعتادة أو البطيئة في الماشية إلى المرض، كما تمكن التكنولوجيا المزارعين من تسجيل الأحداث الصحية بسهولة مثل اللقاحات أو الأمراض لكل حيوان باستخدام هواتفهم المحمولة مما يتيح للمزارعين والأطباء البيطريين مراقبة صحة القطيع والتصرف بسرعة أكبر والكشف المبكر للأوبئة.

Caja, G.; Castro-Costa, A. and Knight, C. H. (2016). Journal of Dairy Research, 83, 136–147.

الشكل أعلاه يوضح أمثلة على بعض أجهزة قياس المتغيرات الفسيولوجية لحظة بلحظة في البقرة: 1) تحديد مكان الحيوان، 2) رصد السلوك الغذائي وحركة الحيوان وإمكانية رصد الشبق، 3) الحالة الصحية مثل رصد درجة الحرارة ومعدل التنفس وغيرها، 4) صحة الكرش مثل درجة حرارته والأس الهيدروجيني ومعدل الاجترار، 5) رصد الحركة والنشاط ورقود الحيوان والعرج وإمكانية رصد الشبق، 6)، 7) رصد حدوث الولادة (بمراقبة نمط حركة الذيل الناتجة عن تقلصات ما قبل الولادة لتحديد وقت الولادة وإرسال رسالة نصية إلى هاتف محمول أو أكثر قبل الولادة بساعة للتأكد من وجود من يعتني بالحيوان أثناء الولادة خاصة إذا كانت متعثرة)، 8) قياس ومتابعة درجة حرارة المهبل للكشف عن الإجهاد الحراري من عدمه وتحديد موعد الولادة، 9) جودة اللبن عن طريق قياس توصيل اللبن للكهرباء (إلتهاب الضرع)

وتستخدم حديثاً الرؤية بالحاسوب (computer vision) والذكاء الاصطناعي(artificial intelligence, AI) لتمييز الوجوه (face recognition) خلال ستة ثوان ورصد حركة الأبقار الحلابة وأكلها ومتابعة نشاطها اليومي بالتفصيل وذلك من خلال كاميرات فيديو وهي عدة أنواع (تحت الحمراء/ ثلاثية الأبعاد/ حرارية) حيث يتم تحليل ما تصوره بخوارزميات (algorithms) خاصة وتعلم الآلة (machine learning) – وهو أحد أفرع الذكاء الاصطناعي – لتعطي بيانات ومعلومات ذات قيمة لفهم احتياجات كل حيوان وتغيير ما يلزم من الناحية الغذائية أو خلافه.

كما تجرى حالياً عدة أبحاث لتحليل صوت الحيوانات بالحاسوب لكونه أرخص ولايحتاج كالكاميرات إلى مجال رؤية مباشر أو إضاءة إذ أن ميكروفون حساس واحد في منتصف العنبر يكفي لرصد أصوات مجموعة كبيرة من الحيوانات حيث وجدت علاقة بين الأصوات والسلوك قسمت الأصوات على أساسها إلى ست مجموعات لها علاقة برقود الحيوان وأكله والاجترار والتفاعل الاجتماعي والإجهاد والسلوك الجنسي للكشف المبكر عن عدة أشياء منها الضائقة التنفسية (respiratory distress) والشبق مثلاً.

ومازال التقدم في التكنولوجيا الذكية للكشف عن الأمراض يحبو، حيث يستلزم ذلك تضافر جهود الخبراء في مجالات متعددة كالطب البيطري والصناعات الدوائية والعلوم الأساسية والهندسية بجميع تخصصاتها ونظم المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا والسياسة والبحث العلمي (وغير ذلك) لإنشاء خارطة طريق للتحول الرقمي في مجال مراقبة صحة الحيوان، وتتضمن التربية الدقيقة للماشية مجموعة واسعة من التقنيات المتقدمة مثل التدفق الدقيق، وأجهزة تحليل الصوت، وتقنيات الكشف عن الصور، واستشعار العرق واللعاب، والتشخيص عن طريق سيرم الدم والألبان وغيرها، ويمكن من خلال دمج جميع أجهزة الاستشعار المتاحة وإنشاء نظام فعال للمراقبة عبر الإنترنت تحقيق مراقبة الحالة الصحية للحيوان  لحظياً وفي ذات الوقت.

وتُستخدم تحليلات البيانات الضخمة لفهم المخاطر الصحية وتقليل تأثير الأضرار بصحة الحيوان من خلال تحديد التجمعات الحيوانية المعرضة لمخاطر عالية، والجمع بين البيانات من خلال إعداد النماذج الوبائية، وتسخير البيانات عالية السرعة لمراقبة صحة الحيوان والكشف عن التهديدات الصحية الناشئة، ويتطلب ظهور البيانات الضخمة إدراج مهارات جديدة في التدريب على علم الأوبئة البيطري، على سبيل المثال، التعلم الآلي والترميز، وذلك لإعداد جيل جديد من العلماء والممارسين للتعامل مع البيانات الضخمة، ويعد تحليل البيانات الضخمة في الوقت الفعلي تقريباً هو الخطوة التالية للتقدم من مجرد امتلاك “بيانات كبيرة” لإنشاء “بيانات ذكية” بهدف تحسين فهم المخاطر الصحية وفعالية الإدارة ودعم اتخاذ القرار، ويتعاون العلماء في جامعة ستانفورد مع الأطباء البيطريين في جامعة ولاية كولورادو، وكلية الطب البيطري والعلوم الطبية الحيوية لتطوير خوارزمية ذكاء اصطناعي يمكنها التنبؤ بالأمراض، حيث تعمل الخوارزمية من خلال تحليل الملاحظات السريرية المكتوبة بمعرفة الأطباء البيطريين لتحديد الحالات الطبية، كما يقوم فريق بحثي من ولاية ويسكونسين الأمريكية بتدريب نظام لاكتشاف ما إذا كان تقرير التشريح من مختبر التشخيص البيطري يحتوي على دليل على أمراض الجهاز الهضمي أو الجهاز التنفسي أو المسالك البولية، حيث تم تطبيق هذا النموذج على أكثر من 33000 تقرير تشريح واستخدم لوصف السمات الزمانية والمكانية للأمراض خلال فترة 14 عامًا، وكشف الاتجاهات الوبائية واكتشاف البؤر المحتملة لأمراض الجهاز الهضمي من تقارير مقدمة من شخص  واحد في خريف عام 2016.

ويتيح نظام معلومات صحة الحيوان الجديد (WAHIS) التابع للمنظمة العالمية للصحة الحيوانية (OIE) متابعة وترصد وإعداد نماذج تفشي الأوبئة بالإضافة إلى إمكانية تحليل كميات مهولة من البيانات التي يمكن الاستفادة منها في التعامل مع التهديدات الكبرى لحيوانات المزرعة والسيطرة على التأثيرات السلبية التي من شأنها الإضرار بالاقتصاد، كما أنشأت المنظمة العالمية للصحة الحيوانية قاعدة بيانات عالمية عن استخدام مضادات الميكروبات تقوم فيها الدول الأعضاء بالإبلاغ عن الحالات المقاومة للمضادات الحيوية.

ويشجع البرنامج المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) على الكشف المبكر للأمراض العابرة للحدود بين الدول من خلال شبكة مختبرات التشخيص البيطري (وهي شبكة من المختبرات البيطرية القومية في البلدان الأفريقية والآسيوية التي من المزمع توسيعها لتمتد إلى وسط وشرق أوروبا ومنطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية)، ويهدف هذا البرنامج إلى إنشاء تنسيق إقليمي ودولي لتقنيات التشخيص النووية للكشف المبكر عن مسببات الأمراض الحيوانية خاصة تلك التي تنتقل إلى الإنسان، وذلك باستخدام مبادئ موحدة ومعترف بها دوليًا، كما يهدف أيضًا إلى إنشاء اختبارات ذات منصات متعددة للكشف عن مسببات الأمراض لتمكين التشخيص التفريقي بين الأمراض باستخدام اختبار واحد.

ولا تقتصر أهمية التحول الرقمي في الثروة الحيوانية على متابعة الحالة الفسيولوجية أو المرضية فقط يل تمتد إلى متابعة البيانات الرقمية الفعلية حول علاج أمراض الحيوان، ومن الدوافع الملحة لذلك الحاجة إلى معالجة المشاكل الصحية المتزايدة للعدوى الناجمة عن انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، والحاجة إلى علاج الحيوانات بأساليب متطورة أكثر ملاءمة لتحقيق الرفق بالحيوان، وحاجة المستهلك إلى الثقة في سلسلة التوريد الغذائي، والحاجة للحد من التأثير السلبي الناجم عن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية على التربة والمجاري المائية للمزارع ضماناً للزراعة المستدامة.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى