د حسام الإمام يكتب : أقراص المنوم
جلست بجوار طفلتها الوحيدة ، تناولت قرص المنوم فى يدها كعادتها كل ليلة ، لكن سرعان ما قذفته بعيداً . صوت هائل صرخ فى أذنيها : كفى … ماذا تفعلين بنفسك ؟ أفيقى .. أنظرى فى المرآة تجدى شباباً وأنوثة يحاولان الفرار من جمودك وصمتك دون جدوى .
فى المرآة قابلتها صورة زوجها على الحائط المقابل ، تزوجته وأنجبت منه طفلة وحيدة ، ثم مات وهى فى ريعان شبابها .
حزنت عليه حزناً شديداً ، ثم هدأت وبقيت الذكرى والرغبة فى الحياة بصورة طبيعية . نصحها الأهل والأصدقاء بالزواج فهى ما تزال صغيرة ، لكنها رفضت بشدة مجرد الحديث عن فكرة الزواج مرة أخرى ..
وبمرور الوقت وجدت نفسها لا تعارض مناقشة الفكرة وبدأت تتقبلها ، وشيئاً فشيئاً أصبحت أملاً يداعبها من حين لآخر ، فلا يسكته إلا أقراص المنوم .
لن يعارضها أحد إذا تزوجت فالجميع يدعمونها ، وهى لا تخجل أن تعلن رغبتها فى الزواج ، لكن المحير أنها ترفض دائماً كل من يتقدم إليها !! هل هذا تضحية من أجل ابنتها الوحيدة ؟ هل هو وفاء لزوجها الراحل ؟؟ هى نفسها لا تعلم الإجابة .. ولا تجهد نفسها بالبحث عنها .. لكنها اعتادت أن تحلم فى يقظتها بفارس الخلاص ، حتى إذا جاء تناولت قرص المنوم لتنام وتستيقظ وتحلم من جديد .
لكن الليلة ماذا حدث ؟
إنها تشعر برغبة مجنونة تدفعها للتمرد على هذا الصمت .. أيكون هذا الجار الجديد هو السبب ؟ لقد رأته اليوم للمرة الثالثة ونظر إليها نفس النظرة التى قابلها بها أول مرة .. أذابت نظرته جبل الجليد الذى كونته الأيام بداخلها واعتادت أن تختفى وراءه .
سمعت دقاً خفيفاً على باب شقتها ، سرت رعشة فى جسدها عندما تصورت أنه هو .. وبدون تردد أسرعت لتفتح الباب .. وجدته أمامها .. قابلها بابتسامة رقيقة وعينين تحملان قلباً ينبض إعجاباً لا يخفيه خجل صاحبه .
شعرت أن مغناطيساً قوياً يجذبها إلى مجاله وهى لا تستطيع المقاومة .. اعتذر عن حضوره فى هذا الوقت المتأخر ، ظهر عليه بوضوح محاولته الإمساك ببعض الكلمات لمواصلة الحديث إلى أن سألها عن شئ يخص المسكن ، زاد ارتباكها حين أدركت أن سؤاله مفتعل .
ولم يكن حالها أفضل منه فأجابته بكلمات قليلة وسريعة ، نظر إليها حائراً ولم يجد بداً من شكرها والاستئذان بالانصراف . أغلقت الباب وابتسامة كبيرة تملأ وجهها وقلبها .
استدارت فقابلتها صورة زوجها ، دارت بها الدنيا وسكنت فى لحظة .. استندت إلى الحائط لتستوعب ما حدث ، جاءها صوت طفلتها تناديها .. أسرعت إليها ، احتضنتها بشدة وكأنها تبحث بين ذراعيها عن حل لهذا اللغز الذى تعيشه ولا تستطيع له فهماً.
هدأت ، تركت طفلتها واستدارت فوجدت قرص المنوم أمامها ، تناولته فى صمت ثم نامت .