الأخبارالمياهالنيلحوارات و مقالاتمصر

د وجدي فرحان يكتب: الاتفاقيات التاريخية والقانون الدولي للأنهار تكشف حقيقة الملء الثاني لخزان سد النهضة

>>مشكة المشروع الأثيوبي مسؤولية دولية وليست مشكلة مصر والسودان

خبير دولي في الموارد المائية – خبير الجغرافيا السياسية  –  المعهد العالي للدراسات الأدبية  

كنج مريوط – الإسكندرية – مصر

في البداية يجب أن نحلل الموقف الأثيوبي من قيامه بالإعلان رسميا مساء أمس بالبدء في الملء الثاني لسد النهضة بدون إتفاق قانوني وفني ملزم يراعي القوانين الدولية ومصالح مصر والسودان وهما دولتي المصب والأكثر تضررا من الموقف الأثيوبي الذي يخالف الأعراف  والقوانين الدولية.

علينا أن نفرق بين الاتفاقيات التاريخية الخاصة بالدول المشتركة في حوض نهري واحد وبين القانون الدولي للأنهار.

أولاً – اتفاقيات الأحواض النهرية المشتركة يرجع تاريخ هذه الاتفاقيات إلي المؤتمر الذي عقد في مدينة فينا عاصمة سويسرا في الفترة ( 1814- 1815 ) برعاية المملكة المتحدة فقد كان هذا المؤتمر يهدف إلي وضع خريطة للدول المشركة في حوض نهري واحد علي مستوي العالم لكي يسهل علي بريطانيا آنذاك اتخاذ أي قرارات دولية تخدم التاج البريطاني ، فمنذ ذلك الحين تم توقيع 450 اتفاقية تاريخية خاصة بالأنهار منها 150 اتفاقية خلال الخمسين سنة الأخيرة بغض النظر عن السلطة القائمة علي إدارة البلاد وهذا يتنافي مع مزاعم دولة إثيوبيا التي كثيرا ما تصرح بأن اتفاقيات مياه نهر النيل حدثت أثناء فترات الاستعمار .

لكنها جميعا كانت تهدف إلي  تنظم الحصص المائية وحقوق الملاحة والصيد وتوليد الكهرباء وبناء السدود والقناطر وإدارة مياه الأنهار أثناء فترات الفيضانات والجفاف وغيرها من البنود التي تضمن حق الحياة لشعوب هذه الدول فلم يكن من حسن حظ دول المنابع أن تكون في هذه الوضعية الجغرافية ’ ولم يكن من سوء حظ دول المصب أن تعاني من ظروف مواقعها الجغرافية  وإنما  مقدرات الله علي الأرض لكي تعيش الشعوب آمنة  حتى  في أوقات الخلافات السياسية والحروب .

ثانيا – القانون الدولي للأنهار ظهر هذا القانون في عام 1997 ودخل حيز التنفيذ في عام 2014 بتوقيع 34دولة فقد صدر ليرسخ علي شرعية وقانونية الاتفاقيات التاريخية للأنهار الدولية ، وقد اعتمد هذا القانون علي أسس ومبادئ المعاهدات التاريخية للدول المشتركة في حوض نهري واحد وخاصة اتفاقيتي 1891 ، 1902 بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بإقامة السدود في دولة المنبع فلابد من موافقة دولتي المصب ، وأيضا إجراءات التشغيل لمياه النهر في فترات الفيضانات والجفاف فقد كانتا تلك الاتفاقيتين بحق من أهم مرجعيات هذا القانون الوليد  .

نماذج للدول المشتركة في حوض نهر واحد

الأنهار الدولية هي جميع الأنهار التي تجري عبر أراضي أكثر من دولة أي يمكن أن تعبر عدة أقاليم جغرافية  وتسير أحيانا آلاف الكيلومترات من منبعها حتى مصبها في المسطحات البحرية ، يوجد 145دولة علي مستوي العالم تشترك في 80 حوض نهري دولي لا يقل طول النهر عن 1000كم موزعين بشكل غير منتظم علي قارات العالم .

يوجد مثلا في  قارة إفريقيا نهر الكونغو البالغ طوله 4700كم تشترك فيه عدة  دول منها دولتي رواندا وبوروندي وتعدان دولتا المنبع بالإضافة إلي دول إفريقيا الوسطي والكاميرون وأنجولا وزامبيا وتنزانيا ويصب في دولة الكونغو .

وأيضا يشترك في نهر النيجر البالغ طوله 4200كم دولة مالي دولة مصب ودول تشاد والجزائر وبنين وساحل العاج , ونهر الزمبيزى البالغ طوله 2574كم  ينبع من دولة زامبيا ويصب في المحيط الهندي ويمر عبر دول ناميبيا وبوتسوانا وزمبابوي وأخيراً موزنبيق .

وفي قارة آسيا يشترك في نهر الميكونج البالغ طوله 2200كم عدة دول ينبع هذا النهر من مرتفعات دولة الصين ويمر عبر دول بورما وتايلاند وكمبوديا ولاوس ، ونهر الأندروز الذي ينبع من الهند ويمر عبر دول باكستان وكشمير  وأنهار دجلة والفرات اللتان تنبعان من تركيا ثم تعبران الأراضي السورية والعراقية لتنهي عند شط العرب بدولة العراق .

في قارة أوروبا يشترك في نهر الدانوب البالغ طوله  2850كم  عشرة دول فينبع هذا النهر من منطقة الغابة السوداء في ألمانيا ويمر عبر دول سلوفاكيا والمجر وكرواتيا وصربيا وبلغاريا ورومانيا ومولديفيا واكرانيا ، ويشترك في نهر الراين 5 دول أوربية وينبع من أراضي دولة سويسرا ويمر عبر أراضي دول ألمانيا وفرنسا وهولندا  .

في قارة أمريكا الجنوبية نجد أن نهر الأمازون البالغ طوله 6400كم  والذي يخرج من دولتي بيرو والأكوادور ثم يمر عبر دول البرازيل وفنزويلا وبوليفيا وغيرهم  ويوجد أيضا نهر البار جواي  البالغ طوله 2549كم والذي ينبع من دولة بارجواي ويمر عبر أراضي دول البرازيل وبيرو وبوليفيا والأرجنتين ، وفي قارة أمريكا الشمالية ينبع نهر سانت لورنس البالغ طوله 3050كم  ونهر المسيسبي البالغ طوله 3766كم  من دولة كندا لينتهي في الولايات المتحدة الأمريكية  وينبع نهر الريوجراند من الولايات المتحدة لينتهي في دولة المكسيك

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن

ماذا سيحدث إذا تحكمت دول منابع الأنهار الدولية  في المقدرات المائية لشعوب دول المصب مثلما فعلت إثيوبيا  بحق الشعب المصري ضاربة بعرض الحائط كافة الأعراف والقوانين الدولية ؟

الأمن والسلم الدوليين

ارتبط مفهوم الأمن والسلم الدوليين عند الشعوب بمبدأ السيادة وحق الدفاع عن النفس وقد تأكد هذا المفهوم من خلال مبادئ منظمات هيئة الأمم المتحدة بعد عام 1945 أي بعد الخراب والدمار الاقتصادي والبشري الذي أصاب العالم جراء الحربين العالميتين الأولي والثانية ، وحدث تطور لهذا المفهوم عبر سنوات وأصبح يشمل كافة المجالات التي تهدد استقرار الشعوب وأمنهم الاقتصادي والمائي والغذائي والثقافي فهي بحق أهم حقوق الإنسان في العيش والحياة الكريمة فيجب علي الجميع أن يحمي النظام العالمي من الفوضى والاضطرابات المدمرة بسبب عدم الالتزام بالمعاهدات والمواثيق التاريخية من قبل بعض الدول المارقة .

إذن تعد مشكلة سد النهضة مسؤولية دولية وليست مشكلة مصر والسودان لذلك يجب علي مؤسسات المجتمع الدولي القيام بدورها تجاه الأنظمة السياسية التي تريد أن تؤسس و تفرض سياسة الأمر الواقع ، وبكل أمانة لحماية هذا الهيكل العالمي من التجاوزات التي سوف تؤثر سلبيا علي مستقبل شعوب العالم ، وسيظل دائماً التدخل البشري السافر في المقدرات المائية للشعوب من أبشع جرائم الإنسانية .

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى