الأخبارالمياهمشروعات الري

د علي إسماعيل يكتب:إدارة المياه واستدامة التنمية الزراعية

استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية – مصر
إن قضية ندرة وشح المياه من اهم القصايا الوطنية التي تعمل عليها الدولة المصرية وتعد من اجلها الكثير من الاستراتيجيات والبرامج المتكاملة لحل هذه القضية التي ربما تنعكس علي الكثير من القرارات التنفيذية في مجالات التنمية وسوف تؤثر على القطاع الزراعي اكثر من القطاعات الاخرى .

وفي ظل جميع السيناريوهات التي يتم وضعها والعمل من خلالها ربما تكون هي اهم الخطوات البناءة نحو استراتيجية واضحة وفعالة ينفذها القطاع الزراعي بمشاركة شركاء التنمية وادارة الموارد المائية ومن خلال اليات فعالة وفاعلة في تغيير مفهوم ادارة المياه من نهج الوفرة الي نهج الندرة.

الحفاظ على القطاع الزراعي بوصفه احد الدعامات الاساسية للاقتصاد الوطني ما تقوم به الدولة المصرية من مشروع عملاق لاستصلاح واستزراع ملاين الافدنة من الاراضي الصحراوية بمفهوم الزراعة الحديثة والذكية التي ترشد استخدام المياه مع معالجة مياه الصرف الزراعي واستغلال المياه الناتجة من المعالجة الثلاثية فيها ، فإن القطاع يحتاج الى التكيف مع حالة ندرة المياه عن طريق قدرة القطاع علي تطوير منظومة الري الحقلي وتحديثها والاستفادة من البحوث العلمية المرتبطة بالأصناف والسلالات عالية الانتاجية المتحملة للجفاف وقصيرة العمر بالإضافة الي الممارسات الزراعية الجيدة ونقل التكنولوجيا مع الزراعة الرقمية التي تستفيد بشكل امثل من المياه مع المتغيرات البيئية.

ومن المتوقع ان ينخفض متوسط المياه المخصصة للفدان بنحو يتراوح من 6% الى 11% خلال العشرة سنوات القادمة مع تفعيل منظومة تحديث الري الحقلي وتبني فكر متكامل لمنظومة التحديث وتطوير نظم الري علي مستوي الحقل الذي تنفذه الدولة حاليا مع توفير الدعم المالي المزارع في الوادي والدلتا من خلال مبادرة اعفاء من الفوائد والسداد الميسر للقروض المخصصة لذلك مع تنفيذ حزم الممارسات الزراعية الجيدة ونشر ثقافة الوعي بأهمية تحديث منظومة الري طبقا لطبيعة التربة والمناطق المناخية والاهداف الاستراتيجية للإنتاج الزراعي والمحاصيل المنزرعة وتأمين احتياجات السكان من الغذاء في ظل الازمة العالمية لنقص الغذاء وتعطل سلاسل الامداد مع استمرار الحرب الروسية الاوكرانية .

المنظور الاستراتيجي لقضية المياه في مصر
ويتم تناولها من خلال شقين:

– الشق الاول منها الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب
– الشق الثاني تدهور نوعية المياه.

وقد اتضح ان مصر تواجه تحديين رئيسيين هما : فقدان المياه وسوء نوعية المياه

. “تفقد مصر حوالي 50٪ من مياهها العذبة من خلال سوء الصيانة للإمدادات ومشكلات التوزيع وعملية تلوث المياه خاصة أن عدد كبير من الأمراض التي تنقلها المياه .

حيث تؤثر المياه الملوثة أيضًا على توازن النظم البيئية ، وجودة التربة ، وتتسرب إلى طبقات المياه الجوفية. و “تحتاج مصر إلى وضع معايير قوية لجودة المياه والتحكم في الاسمدة ومبيدات الآفات والنفايات الموجودة في المياه.

فقدان المياه وتسربها دون الاستفادة منها بالشكل الكافي يمثل اهم التحديات في الوقت الراهن الذي يجب معالجته والحد منه حتي يتعظم معه مستوي الاستفادة .
كما ان المياه المفقودة يعاد استخدامها ضمن المنظومة مرة اخري داخل منظومة الري سواء كانت من المياه الجوفية او مياه الصرف الزراعي.

مشكلة تدهور نوعية المياه مترابطان بحجم المياه المتاحة لأغراض محددة مقيدة بجودتها واعادة استخدامها في الزراعة مع تحديث منظومة الري واستكمال مفهوم الادارة المتكاملة للمياه داخل منظومة الري الحقلي .

ومن ناحية أخرى ، قد يتسبب الطلب المتزايد على موارد المياه المحدودة في تدهور الجودة الذي يؤثر علي تزايد عدد السكان و خاصة في مناطق الأحياء الفقيرة والأنشطة الصناعية والتحضر والتلوث والتغيرات المناخية وكلها تؤثر سلبا على جودة المياه. علاوة على ذلك ، فإن ارتفاع جودة المياه يعني انخفاض خطر نقص المياه عند مستوى معين من الإنتاج إلى جانب ذلك يؤدي ارتفاع جودة المياه إلى إنتاجية نسبية أعلى مع العوامل الزراعية الأخرى وخاصة الأراضي وانتاجيتها المحصولية . وبالتالي ،
فمن الأهمية بمكان أن تضع مصر استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز إمدادات المياه من الموارد التقليدية وغير التقليدية وكذلك الحفاظ على جودة المياه وتحسين نوعيتها بصورة افضل وهناك حاجة ملحة لاكتساب المزيد من الأفكار حول جودة المياه وآثارها على الإنتاجية الزراعية.

الاثار المرتبطة بالتحسينات في نوعية المياه والأراضي ربما يشجع علي توفير تقييمات كمية لتأثير التحسينات النوعية لإدارة المياه وكذا لأنواع مختلفة من نوعيات مختلفة لمياه الري تحت ظروف ندرة المياه.

والسؤال هو ما مدى أهمية الآثار المحتملة لانخفاضات مياه النيل على القطاع الزراعي والاقتصاد ككل؟

و ما هي التحسينات الكافية في كفاءة الري المطلوبة لتعويض الخسائر المحتملة لمياه النيل؟

ضرورة الاستثمار في تأمين الموارد المائية غير التقليدية مع البحث عن استراتيجية بديلة قابلة للتطبيق لاستراتيجية كفاءة الري وبالتالي فإن المهام الملحة هي إعادة تقييم إنتاجية مياه الري والأراضي وكذلك كفاءة نظام الري الحالي والادارة الشاملة والمتوازنة لمنظومة الري من خلال الادارة المتكاملة للموارد المائية في كافة الانشطة ودراسة الطلب علي المياه والاحتياجات ووضع الاولويات ودراسة التخصيص الأمثل للموارد المائية واهم موارد التنمية لهذه الموارد بمضمون شامل يسمح برفع كفاءة الاستخدام وتوفيرها بشكل اقتصادي دون ظهور خلل اجتماعي او اقتصادي يترتب علي ذلك .

دراسة الآثار المحتملة للتغيرات في كفاءة الري المرتبطة بالتحسينات في نوعية المياه وكفاءة التوزيع والاستهلاك أمر بالغ الأهمية للاقتصاد المصري لتوفير الاحتياجات المائية المطلوبة والملائمة لمعظم الاحتياجات المختلفة سواء الزراعية او الانشطة السكانية او الصناعية.

تطوير وتحديث منظومة الزراعة المصرية
إن استمرار نجاح الزراعة المصرية واستدامة التنمية الزراعية بها واستخدام المياه بالصورة المثلي وفرض تحديات عليها قد دخلت حقبة جديدة من الاهمية واصبحت المياه ومحدداتها مع ندرتها العامل الاساسي في تطوير وتحديث الزراعة المصرية في ظل التحول من الوفرة الي الندرة .

وبناء عليه فان الميزان المائي لمصر يمر بعجز دائم ومتراكم في التوازن المطلوب بين العرض الكلي والطلب الكلي المتزايد بمعدل متزايد بزياده عدد السكان متمثلة في مشروعات المجتمعات العمرانية والقري الجديدة علي مستوي الاسكان والتوسع في زياده مشروعات الاستصلاح القومية والأهلية في الاراضي الجديدة الامر الذي بات ومن المؤكد تضأل نصيب الفرد من المياه الي اقل من ٦٠٠ متر مكعب الي ٤٥٠ متر مكعب في السنه عام ٢٠٢٥ .
ومن المتوقع ان يصل نصيب الفرد عام ٢٠٥٠ الي ادني من ٣٥٠ متر مكعب في السنه وذلك لزياده متوسط معدل النمو السكاني ٢% ويصل استهلاك الفرد الي ٢٤٧ لتر/ يوم وبالتالي سوف يصل عدد السكان عام ٢٠٥٠ الي ١٧٢ مليون نسمه الامر الذي يتطلب زياده الموارد لتصل الي نحو ٩٧ مليار متر مكعب.

والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي النتيجة المتوقعة والتحديات التي يمكن ان تواجه الزراعة الحديثة ؟؟؟ وقضية تطويرها مع الزيادة السكانية الحادة والمضطردة التي تلتهم الكثير من عوائد التنمية والضغوط الواقعة علي وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي واجهزتها المختلفة رغم انها وزارة خدمية ( بحوث وارشاد وسياسات تنظيمية ورقابية) ومطالبتها بتلبية حاجة السكان من الغذاء وتوفيره وقضية استهلاك 80 % من الموارد المائية في مصر رغم ان تلك المياه يستهلكها المزارعين في النشاط الزراعي ككل الذي يعمل به اكثر من 50 بالمائة من السكان مع نظرة البعض الي انخفاض عائد المتر المكعب من المياه في الزراعة بالمقارنة مع العائد من الانشطة الأخرى للاستخدامات متناسيا ان قضية الامن الغذائي وتوفير حاجة السكان جزء اساسي من الامن القومي الاستراتيجي .

فهل تسمح عمليات تدوير المياه وترشيدها في الزراعة في حل جزء من نقص الموارد المائية الواردة علي المدي القصير ؟؟؟ ام ان استقطاب موارد مائية جديدة كحصاد مياه الامطار وتحلية المياه نصف المالحة من البحيرات ربما تكون هي الجزء الاساسي والفعال في توفير متطلبات مياه الشرب والصناعة والتي تقلل الضغط علي حصة المياه المخصصة للزراعة واستصلاح الاراضي وان معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي واستخدامها مع مياه الصرف الزراعي مرة اخري بمواصفات تصلح لإنتاج مجموعة من المحاصيل الزراعية هو طوق النجاة مع وجود مشروعات عملاقة للدولة المصرية كمحطات معالجة ( المحسمة – بحر البقر والتي وفرت ٦.٦ مليون متر مكعب يوميا مياه معالجة ثلاثية ) وغيرها من المحطات الجاري انشاءها في العالمين ٧ مليون متر مكعب لخدمة الدلتا الجديدة التي تصل الي ٢.٢ مليون فدان والتي توجه مياها بعد المعالجة لاستصلاح الاراضي وزيادة الرقعة الزراعية ضمن البرنامج الذي يوليه السيد الرئيس اهمية خاصة بتحسين نوعية المياه للزراعة وزيادة معدلات التنقية والمعالجة كمورد هام من الموارد المائية .

ام ان التوجه العلمي ودور البحث العلمي الزراعي في انتاج الاصناف واستخدام تكنولوجيا الهندسة الوراثية قادرين علي حل جزء من هذه المشكلة بتوفير اصناف من المحاصيل تتحمل الملوحة والجفاف والتغيرات المناخية وتعزز دورها في المدي القصر لحل مشكلة ندرة المياه مع علماء التربية للأصناف النباتية المختلفة .

اهمية دور الممارسات الزراعية التي تتبناها وزارة الزراعة
تعد الممارسات الزراعية أحد أهم توفير مياه الري من خلال التسوية بالليزر والزراعة علي المصاطب والحرث تحت التربة واضافة الجبس الزراعي وصيانة المصارف ورفع كفاءتها لحماية التربة من التملح والقلوية وتقليل احتياجات الغسيل مع رفع مستوي خصوبة التربة وصيانة المجاري المائية وخاصة قنوات الري الرئيسية والفرعية لتوصيل المياه بالمقنن المائي لزمام الاراضي المنزرعة دون عجز او نقصان وفي التوقيتات المناسبة مع تحديث المنظومة لتوفير المياه بشكل دائم مع تحديث نظم الري في الاراضي الجديدة التي تعتمد علي الري السطحي وليس الجوفي.

ولدعم قدرتها علي الوفاء بالاحتياجات المطلوبة لنظم الري الحديث وبالتالي تفعيل المستهدف من زيادة انتاجية وحدة الارض وحدة المياه المستخدمة وتحقيق المستهدف من استصلاح اراضي جديدة تتطلبها خطة التنمية الاقتصادية مع زيادة معدلات النمو السكاني لاستدامة التنمية الزراعية وزيادة الانتاج الزراعي .

رفع الكفاءة الاقتصادية لمياه الري علي مستوي الحقل
وقد يعد نظام الري في مصر مثالاً ممتازًا لنظام متعدد الاستخدامات للمياه لدورة ذات كفاءة عالمية عالية تصل الي 76- 78 % لاستخدامات المياه واعادة تدويرها وقد تصل الي مستويات اعلي بعد انشاء محطات معالجة بحر البقر والمحسمة وغيرها من المحطات وتحلية مياه البحر واعادة استخدام كل قطرة مياه في مكانها المناسب .
ولكن كفاءات النظام تعد منخفضة علي المستوي الداخلي علي مستوي التوزيع والنقل والاستخدام في الحقل . وتهتم مصر بتوسيع المساحة المروية بمياه نهر النيل دون تقليل الإنتاجية العالية للمناطق المروية الحالية بل تعمل علي تعظيم الانتاجية لكل من وحدة الارض مقابل وحدة المياه المستخدمة .

كل ذلك يؤكد علي فجوه مائية كبيره. لذا من الاهمية رفع الكفاءة الاقتصادية علي مستوي الحقل التي تعمل علي توفير المياه وزياده الإنتاجية من وحدة المياه والارض الامر الذي يجعل الأولوية لمشروعات تطوير الري الأولوية الاولي لأهميتها وخاصة المساقي والمراوي ونظم الري داخل الحقل وخاصة مع نظم الري الحديثة كالري بالرش والتنقيط لرفع كفاءة الاستخدام من 55 % الي 90% بما يعني الاستفادة بتعديل الكفاءة المستخدمة في النظام مع الممارسات الزراعية المتبعة والتي تطلبها زيادة الكفاءة الكلية لمردود وحدة المياه في داخل الحقل عنها في المجاري المائية لترع النقل والتوزيع التي يمكن ان تعود لمنظومة الري بشكل اخر من خلال كفاءة نظام الري العام واعادة تدوير المياه التي تصل الي ٨٠ % تقريبا علي المستوي القومي وهي اعلي كفاءة لنظام ري في العالم.

ولإنجاز هذا سوف يتطلب برنامج قومي يحتاج الي دعم ورعاية وشراكة من كافة الجهات من اجل الحفاظ علي منظومة تطوير وتحديث الري ورفع كفاءة الاستخدام والقدرة علي التوعية الاعلامية وزيادة وعي النشيء بالمدارس والجامعات والمزارعين بالحقول والسكان والمصالح الحكومية ( الاستخدامات المنزلية ومعالجة مشاكل التسرب في المياه داخل شبكة التوزيع لمياه الشرب والصرف الصحي) .

توجيه جهود المحافظة نحو المناطق التي تكون فيها دورات الاستخدام المتعددة ممكنة فان ذلك يمثل نجاح لإدارة المنظومة وبالتالي زيادة الكفاءة [الكفاءة الفعالة] لتكن عالية جدًا بالفعل مما يؤدي إلى وفورات حقيقية في المياه تصل الي النسب المستهدفة والتي تبلغ 10 بالمائة من اجمالي الموازنة المائية المخصصة للأراضي القديمة يمكن ان تسهم بشكل فعال في خطة الاستصلاح التي تتبنها الدولة من خلال القيادة السياسية والتي تدفع بشكل فعال وعملي نراه علي ارض الواقع من زيادة الانتاج الزراعي للخضر والفاكهة والانتاج الداجني السمكي ومحاولة الوصول بنسب عالية من محاصيل الحبوب والزيوت والسكر وهو ما انعكس علي الاهتمام بالملف الزراعي وتصدره اولويات الدولة من دعم ومتابعه السيد الرئيس لسد الفجوة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية .

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى