اخبار لايتالأخبارالمياهحوارات و مقالاتمتفرقاتمصر

د خالد وصيف يكتب: هموم قرية أبو الشقوق بعد دورة كروية ناجحة

خبير موارد مائية – مصر
أطلق الكابتن محمد الصباحى الحكم الدولى الصافرة ليعلن نهاية المباراة ومعها اسدال الستار على دورة المرحوم مرتضى عبد الله الكروية، احد اكثر ابناء القرية طيبة واخلاقا، والذى تم اطلاق اسمه على كأس البطولة تكريما له بعد وفاته.

الدورة اقيمت بقرية أبو الشقوق، احدى قرى مركز كفر صقر شرقية، التى تقول الاسطورة القديمة والتى تتناقلها اجيال القرية، ان ارضها تشققت لتبتلع جيوش الغزاة حينما اقتربت احدى سراياهم من القرية، والتى يعتقد اهلها انها محفوظة بمراقد لاولياء الله الصالحين. يعتز اهل القرية باحتضانها لمقام ام شهاب، تلك السيدة الصالحة الفقيرة التى كانت تتمنى الحج لبيت الله الحرام، ثم توفاها الله قبل موسم الحج، وعند ذهاب بعض اهل القرية لاداء الفريضة التقوها اثناء الطواف، ليقرروا بعد عودتهم اقامة ضريح لها ومولد سنوى فى منتصف شعبان من كل عام، ليصبح المولد احدى علامات القرية التاريخية خلال المائة عام الماضية.

نعود لفاعليات الدورة الكروية، بث مباشر للمباراة عبر صفحة متخصصة فى نقل الاحداث الرياضية، بحيث يتابعها كل المهتمين باخبار الدورة داخل مصر وخارجها، تطبيق لتقنية الفار عبر وسائل محلية مبتكرة، تعليق على المباراة عبر معلقين موهوبين يقوموا بتقليد اداء مشاهير المعلقين بنفس طريقة الاداء الصوتى واللزمات المشهورين بها.

استقدام حكم دولى سابق لاضفاء مزيد من الجدية على المباراة، جماهير تقف على خط الملعب المخطط بالجير وتلتزم بالتشجيع بدون تجاوز الخط. دورة كروية ممتعة لا يهم من فاز بالكأس بقدر اهمية المشاركة والمنافسة الشريفة بين الشباب ونسخ اخلاق الرياضة الى الحياة بقدر الامكان.

انتهت المباراة ورفع الفريق الفائز كأس البطولة وسط هتاف مشجعيه الذين اتوا معه من القرية المجاورة، تبادلوا التهنئة وتصافحوا، ثم انصرف الجميع سعداء بنجاحهم فى تنظيم الدورة الكروية، بالرغم من عدم وصول فريق البلدة المضيفة للمباراة النهائية، لتختتم انشطة استمرت قرابة الشهر، عبر منافسة حامية بين اثنى عشر فريقا يمثلون عددا من القرى المجاورة.

نشاط اقيم بالكامل بالجهود الذاتية، بدون اى دعم حكومى من وزارة الشباب او من غيرها. تبرعات جرى جمعها من ابناء القرية الموسرين فى سبيل اقامة نشاط رياضى توقف منذ عشرات السنين، فى سبيل كرة القدم الساحرة المعشوقة لشباب القرية، والرياضة الوحيدة المتيسر ممارستها لهم فى جزيرة القرية..الملعب التاريخى للقرية وساحة التقاء ابنائها عبر عشرات السنين. قبل ان يتحول لساحة انتظار سيارات.

فى القرية المصرية، انقرض الفلاح التقليدى كما كنا نعرفه. مع انخفاض دخل الارض الزراعية مقارنة بارتفاع مدخلات الانتاج من اسمدة وبذور ومبيدات، ومع تفتت الملكية الزراعية نتيجة التوارث عبر اكثر من جيل. اصبح لدينا الان نصف فلاح وربع فلاح، اى الرجل الذى يخصص نصف او ربع وقته للزراعة، والباقى اما يمتهن قيادة توكتوك، او يعمل قصابا او نجارا او فى تجارة للحبوب، او وظيفة بسيطة فى احدى الادارات المحلية.

الجيل الجديد من ابناء القرية ابتعد عن الفلاحة التى امتهنها اجداده، وابتعد عن الوظيفة العامة التى تم تعيين ابائهم بها اثناء فترة القوى العاملة والتوظيف المباشر للخريجين والجنود المشاركين فى حرب اكتوبر. الجيل الجديد من الشباب يمتهن العمل الحر بكل اطيافه.

محمد عارف-محمد مرتضى-محسن الديب-حسن مصطفى-حسن عبد ربه-منصور محمد-بلال مجدى-عادل على-حسين عبد المعطى. هم نماذج للجيل الجديد من شباب القرية. ما يجمع تلك الاسماء ثلاثة عناصر مشتركة، اولها الاقامة والموطن فى قرية واحدة، ثانيها امتهان انشطة ووظائف كلها تعتمد على القطاع الخاص، ليس فيهم موظف واحد ومصدر رزقهم بعيد عن موازنة الدولة ولا يشكل اى عبء عليها. جيل جديد يختلف عن اجداده واكسبه التعليم قدرا من المهارات اتاحت له التماس الرزق بعيدا عن مهنة الفلاحة المتعبة والمرهقة وضعيفة الربح، ثالث العوامل هو عشقهم للرياضة وكرة القدم بالتحديد ممارسة ومشاهدة. حياتهم تتراوح ما بين ادارة اعمالهم الخاصة وممارسة الرياضة ونشرها فى حدود القرية. ابو الشقوق.

كرة القدم ليست قطعة من المطاط ممتلئة بالهواء وتتقاذفها الاقدام، لكنها نموذج للحياة بكل انتصاراتها وانكساراتها، تحتاج اجتهاد وتخطيط وتعاون. وما ينطبق عليها ينطبق على غيرها من انشطة الحياة. وهى من مسببات السعادة لكنها لا تغنى عن غيرها من الاحتياجات الضرورية والتى تعانى منها القرى المصرية، وابو الشقوق مجرد مثال صغير لها.

اثارت الدورة الكروية الناجحة شجونا مما تعانيه القرية من مصاعب حياتية تستحق نظرة واهتماما من اجهزة الدولة المختلفة، وفى انتظار مشروع حياة كريمة ليقلل من تلك المصاعب التى تعانيها القرية.

الملعب الذى احتضن البطولة تم تجهيزه وفرشه ورشه بالتعاون مع اصحاب سيارات النقل بعد ان تحول عدد كبير من فلاحى القرية لتغيير نشاطهم من الزراعة الى نقل البضائع، ونتيجة لازدياد مضطرد فى اعداد السيارات الضخمة المصحوبة بمقطورة خلفها، تحول الملعب الاساسى بساحة القرية الى جاراج كبير للسيارات. وبذلك تم حرمان كل الاجيال الجديدة من ممارسة الرياضة فى المكان الوحيد (المجانى) المتاح لهم..واصبح البديل الاخر لممارسة الرياضة هو الملاعب الصناعية التى يتم استئجارها بالساعة للعب عليها..

ولان ترعة القرية تقع فى نهاية شبكة الرى، فان ضعف منسوب المياه يسبب ازعاجا كبيرا للفلاحين، خصوصا ان تلك الترعة القديمة تغيرت ابعادها نتيجة التعديات ونتيجة التطهير غير المنضبط لقيعانها، وهم فى انتظار مشروع تأهيل الترع الذى تقوم عليه وزارة الرى، ليتم تنفيذه على ترعتهم لتحسين ادارة المياه بها. هناك من هجر الفلاحة كليا وباع ارضه واشترى بها سيارة نقل، مشروع يحمل مخاطرة كبيرة يرفع اقواما ويحط اخرين. لكن قوة الجذب اكبر بكثير فازدحمت الساحة الرئيسية (الجزيرة) والملعب الكبير فى وسط القرية بسيارات النقل.

قرية ابو الشقوق تقع على الحد الفاصل ما بين محافظتى الشرقية والدقهلية، وتتمتع بميزة تحسدها عليها كثير من القرى، حيث يمر امامها خط سكك حديد يربط ما بين مدينتى المنصورة والقاهرة، والمحطة العتيقة المقامة من الخشب الاثرى مازالت قائمة كما هى منذ سبعين عاما، تجمع مئات من الطلبة والطالبات المتجهين الى جامعاتهم سواء فى الزقازيق او المنصورة او القاهرة.

امتدت يد التطوير لتجرى على الخط قطارات حديثة، تلك القطارات حجمها وارتفاعها اكبر من القطارات القديمة، وبالتالى اصبح هناك (فرق منسوب) ما بين باب القطار وبين الرصيف، هذا الفارق يصل الى 30 سم على الاقل، مما يتسبب فى حوادث مروعة نتيجة سقوط البعض اثناء الركوب او الهبوط، فى الفراغ ما بين الرصيف وباب القطار. حوادث دورية يقع ضحيتها شباب غض فى مقتبل حياته.

طلب بسيط ومشروع تقدم به اهل القرية لوزارة النقل، مشفوعا بحماس اعضاء مجلس النواب عن المنطقة وحضورهم للمعاينة بانفسهم اثناء الحملة الانتخابية، وتقديمهم وعودا بتطوير رصيف المحطة فى القريب العاجل، وهذا القريب مضى عليه اربع سنوات ولم يأت للان، ومازال نزيف الدماء مستمرا.

هموم قريتنا لم تمنع شبابها من الفخر بنجاحهم فى تنظيم دورة رياضية بدرجة كبيرة من التوفيق، بالجهود الذاتية، ويستعدوا من اليوم التالى للتجهيز للدورة القادمة فى الصيف القادم.
كرة القدم لابناء ابو الشقوق عشق لا ينتهى..

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى