الأخبارحوارات و مقالات

د سلوي أنيس تكتب: التغيرات المناخية وتأثيرها على الثروة السمكية والإستزراع السمكى فى مصر

  باحث بمعهد بحوث صحة الحيوان بالزقازيق  – معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية – مصر                

التغيرات  المناخية هى  إختلال  فى  الظروف  المناخية  المعتادة  كالحرارة والأمطار وغيرها إضافة  إلى  التغيرات  الموسمية  التى  تجرى على مدار فترة زمنية طويلة، والمتعلقة بالتراكم المتزايد للغازات الدفيئة فى الغلاف الجوى.

وقد  وجد  أن الأنشطة  البشرية  هى السبب  الرئيسي  للتغيرات  المناخية وارتفاع  درجة  حرارة  الأرض  على  مدى  الخمسين  عامًا   الماضية  كان  نتيجة  لإزدياد  الأنشطة  الصناعية  التى  تعتمد  عليها   الحياة  الحديثة  و إطلاق  كميات  كبيرة من غاز ثانى أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت.

ومن الواضح أن تغير المناخ  يؤثر على  كل  قطاعات  التنمية  فى العالم  ولهذا  كان  من  الضرورى  إلقاء  الضوء على  أثر التغيرات  المناخية على قطاع من أهم قطاعات الإنتاج الحيوانى وهو قطاع الثروة السمكية وهو الأكثر تأثراً بهذه التغيرات.

تأثير التغيرات المناخية علي إنتاج الأسماك في العالم

التغيرات  المناخية  واحترار  المحيطات يهدد 90% من الكائنات البحرية على مستوى العالم، وذلك وفقاً  لدراسة  جديدة من  مصايد  الأسماك والمحيطات  فى  كندا، حيث وجدت  أن احترار المحيطات والظواهر المناخية  المتطرفة  دفع 25000 نوع  بحرى  وأنظمتها  البيئية  إلى مواقع  أعمق وأكثر  برودة، مما  يغير سلوكها  ويعيد  تشكيل  النظم  البيئية  البحرية  بطرق جذرية  وغير  مسبوقة.

تتمثل  تأثير التغيرات  المناخية  على الثروة  السمكية فى عدة تأثيرات وهى  إرتفاع  نسبة  ثانى أكسيد الكربون  فى الجو الذى  من المحتمل أن يؤدى  لزيادة  ذوبانه  فى مياه المحيطات والبحار، وزيادة  حموضة  المياه مما  تؤثر سلبا على نمو وتكاثر وحياة  الأسماك.

وكذلك  تأثر  أغلب  الشوطئ  ومزارع   الأسماك  بالإحتباس  الحرارى  مما  أدى  إلى ارتفاع  درجة حرارة  الأسماك والذى يمكن أن يتسبب  فى  نفوق  الأسماك  فى الأنهار أو المزارع  أو البحار، تلك  الظاهرة  عالمية  وليست فى  مصر  فقط،  حيث شهدت  ولاية   تكساس  الأمريكية، واستراليا  نفوق آلاف  الأسماك، وقد تم  تصنيف  مصر  من الخمس دول أكثر  تضرراً من التغير المناخي وخاصة المحافظات الساحلية مثل كفر الشيخ.

التغيرات المناخية وإرتفاع سطح البحر في مصر

وسوف تؤدى  التغيرات المناخية  لارتفاع  مستوى سطح البحر والذى سيؤدى  بدوره إلى تعرض مناطق واسعة  من المنطقة الساحلية  لدلتا  النيل  للفيضان مما  سيؤثر على الاستزراع  السمكى، كما  أن  نمو  الأسماك  فى  ظروف  بيئية  غير ملائمة  من  درجات  الحرارة  المرتفعة  وقلة  نسبة  الأكسجين  المذاب  فى  المياه  سيؤثر على العمليات  الحيوية  الخاصة  بالأسماك  وقدرتها على التكاثر مما يقلل من كمية وأحجام الأسماك المنتجة وكذلك قدرتها على  مقاومة  الأمراض والحفاظ  على النوع .

كما أن التغيرات  المناخية ستتسب فى زيادة  ملوحة  مياه  البحيرات الشمالية المصرية  نتيجة  لزيادة درجة الحرارة والتى تؤدى  لزيادة  نسبة  البخر وقلة  المياه العذبة  الواردة  للبحيرات، مما  تؤدى  لزيادة  درجة  الملوحة أكثر والتى تؤثر على هجرة زريعة  العائلة  البورية  من  البحر إلى  مناطق  التقاء  المياه  العذبة وعليه  يقل  المخزون  السمكى بالبحيرات.

ومن تأثيرات  التغيرات المناخية علي مزارع الأسماك  ارتفاع درجة حرارة المياه، وزيادة  نشاط  الميكروبات  المحبة  للحرارة مما يؤدى لزيادة  احتمالية حدوث أمراض، فضلاً عن ازدهار الطحالب وما ينتج عنها من أضرار.

إن تلك الظاهرة فى مصر عادة تظهر فى يوليو وأغسطس من كل عام، وهو أمر معروف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 40 درجة مئوية لمدة طويلة، وقد وجد أن العائلة البورية من الأسماك “البورى والطبار” الأكثر تأثرا بتغير درجة الحرارة،ويعد  البلطى  أشهر  سمكة  للاستزراع فى مصر  وهى تعيش فى متوسط درجة حرارة من 18 إلى 25 درجة مئوية، وعند ارتفاع درجة الحرارة لتصل إلى 30 درجة تقل العلامات الحيوية والجهاز المناعى لدى الأسماك، وعند 36 درجة تقف الوظائف الحيوية عند الأسماك، أما إذا وصلت لـ40 درجة مع كثافات أعلى من الأسماك ووجود نسب تلوث يسرع من تدهور الحالة الحيوية للسمك، وصولا لنفوق الأسماك.

المناخ والثروة السمكية في مصر

ومما سبق  يتضح  لنا  أن  قطاع  الثروة  السمكية  وخصوصا  الاستزراع   السمكي  في  مقدمة  القطاعات  المتأثرة   بتغيرات  المناخ   لحدوث  ارتفاع  درجات  الحرارة  و زيادة  المخلفات  العضوية  ونقص  الأكسجين  الذائب، وتتأثر  الزريعة  أكثر  نتيجة   انخفاض  الأكسجين  ويتسبب  ذلك  في  إجهاد  حراري  و تفشي  الأمراض  فى  الأسماك  وإلى  زيادات  كبيرة  في تكرارية الإصابة بالأمراض داخل المزارع السمكية مما يؤدي إلى خسائر مالية ضخمة.

وتعد الأسماك فى  مصر من أهم مصاد البروتين، فمتوسط الفرد من الأسماك  20 كم فى  السنة  والمتوسط  العالمى   21.5كم  فى السنة، مما  يعنى قرب اكتفاء مصر ذاتياً من الأسماك، حيث أن حجم  إنتاج  مصر من الأسماك  بلغ 2 مليون فى عام 2022، بنسبة 80% من  المزارع  السمكية و20% من المصايد  الطبيعية  “بحر المتوسط  والأحمر ونهر النيل والبحيرات” ويوجد فى مصر 14 بحيرة طبيعية  تتوزع فى مختلف أنحاء مصر.  و تصدر  مصر 30  ألف  طن  من  الأسماك  كل  عام  وتستورد  مصر  الأسماك فقط  لإرضاء الذوق العام للمستهلك المصرى والأجانب للأنواع غير الموجوده فى مصر وليس استيراد احتياج (جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية) .

وقد أثبتت  الأبحاث  والتجارب  العلمية  أن  درجة  الحرارة  تؤثر على  فسيولوجيا  الأسماك  ومسببات  الأمراض، مما  يؤدي  إلى  زيادات  كبيرة  في  الإصابة  بالأمراض  الفيروسية والبكتيرية والفطرية والطفيلية داخل  أنظمة  تربية  الأحياء  المائية مسبباً  آثار  مالية  شديدة  .

ومن  أهم  هذه  الأمراض  التسمم  الدموى المتحرك (MAS) الذى  تسببه  بكتيريا  إيروموناس Aeromonas hydrophila  وتتواجد  هذه  البكتيريا عادة  في  البيئة  المائية، وخاصة  في  المياه  العذبة  الدافئة  الغنية  بالمواد  العضوية. حيث  أن  العدوى  عادة  ما  ترتبط   بالإجهاد  الشديد وقد تم تحديد عوامل ضراوة في  A hydrophila  وهى  إنزيمات الهيموليزين، والإيروليسين، والسيتوزين، والجيلاتيناز، والسموم المعوية، والببتيدات المضادة للميكروبات .

ومما توصل إليه الباحثون أن إستخدام المضادات الحيوية فى مزارع الأسماك يؤدى إلى إنتشار بقايا هذه  المضادات الحيوية فى البيئة المائية مما يتسبب فى  تكوين  سلالات  بكتيرية  مقاومة  للمضادات الحيوية ووصول هذه المقاومة  للميكروبات التى تصيب الإنسان.

تعمل المضادات الحيوية على أهداف محددة من الخلايا البكتيرية، عن طريق تغيير التوازن الخلوي. تغييرات مماثلة واضحة عند تقييم آثار درجة الحرارة على الخلايا البكتيرية. ومن المثير للاهتمام أن التعديلات في الخلايا البكتيرية الناجمة عن المضادات الحيوية تتزامن مع تلك الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة. بسبب القواسم المشتركة بين تأثير المضادات الحيوية ودرجة الحرارة، قد تحدث زيادة أخرى في مقاومة المضادات الحيوية .

وقد توصلت الأبحاث إلى ان إرتفاع درجة الحرارة إلى 46 يتسبب فى حدوث تغيرات خلوية بكتيرية تتماثل مع التأثيرات المستمدة  من التعرض للمضادات الحيوية  مثل الجنتاميسين والتوبراميسين والستربتومايسين .

وكذلك  ثبت  أن  المضادات  الحيوية  مثل نيتروفورانتوين  وتريميثوبريم تدمر الحمض  النووي بتأثيرات  مشابهة  للحرارة، عند  درجة  حرارة 44 درجة مئوية. في الإجهاد الحراري،

ارتفاع   درجات  الحرارة  يمكن أن  يؤثر على  فسيولوجيا  الخلية  في  البكتيريا  بنفس  الطريقة  التي  تؤثر بها  المضادات الحيوية، مما  يسبب  مقاومة   المضادات  الحيوية   في  البداية .

وترجع  هذه الأهمية  لتأثير التغيرات المناخية  بكل  صورها (النباتات  الحيوانات  الكائنات  الدقيقة  الأحياء  المائية  النادرة) لما  لهذا  الموضوع  من  أثر  كبير  في  الحفاظ  على  التوازن  البيئي، فتنوع  الكائنات  الحية والاختلافات  الجينية  داخل  كل  نوع   يمثل  مصدرًا  للغذاء  والأمان  الحيوي و التوازن  البيئي، ويعتبر  التاثير علي  الاحياء  المائية والاستزراع  السمكي  تأثيرًا  مباشرا وخطيرا

لذلك  سارع  المجتمع  الدولي  بإبرام  العديد  من الاتفاقيات  التي  من  شأنها  الحفاظ  على  البيئة، والحفاظ  على  التنوع البيولوجي  فيها  وتجرى هذة  المناقشات  لايجاد  الحلول  لهذة  التحديات  الكبيرة.

مواجهة الآثار السلبية لظاهرة التعيرات المناخية

ومن الحلول المقترحة لعلاج هذه الأثار الضاره للتغيرات المناخية:

  •  إجراء دراسات حول تأثيرات درجات الحرارة القصوى مع الضغوطات البيئية الأخرى المرتبطة بها على مجموعة واسعة من الأنواع لمعرفة إستجابةالأسماك لهذه الظروف .
  •   يجب  عمل  دراسات  علمية  تطبيقية  لإنتاج  سلالات  من  الأسماك  مقاومة  التغيرات  المناخية   والتعاون  بين  الجهات  المختلفة  من  وزارات  وجامعات  ومراكز بحثية  لتوعية  المجتمع  بخطر التغير المناخى  مع  تغيير بعض سلوكيات وممارسات المجتمع التى تزيد من حدة التغير المناخي
  • وقد وجد أن إضافة مكملات الغذائية (الكاروتينويد وفيتامين E والسيلينيوم وبروبيوتك أو منشطات المناعة)  وغيرها من المكملات الغذائية الطبيعية  وبعض النباتات الطبية  بجرعات  مناسبة  مثل المورينجا والنيم  أثناء  الإجهاد  الناتج  عن  درجات الحرارة المرتفعة  لتحسين أداء الجهاز المناعي  للأسماك  مما يحسن من القدرة على مقاومة الأمراض في الأسماك .
  • وقد لوحظت  زيادة  النمو والقدرة الكلية  لمضادات الأكسدة، CAT، SOD، الهيبسيدين، IgM، والليزوزيم G في مجموعات الأسماك  المكملة  بالإضافات  الطبيعية. وخلص  الباحثون  إلى  أن الكاروتينات وغيرها من المكملات  الطبيعية  تعزز الاستجابات  المناعية  للأمراض  وتحسن  المقاومة  في  مواجهة  تغير المناخ  العالمي.
  •  كذلك  ضرورة  الاتجاه  إلى  توليد  الطاقة  من  الموارد  الطبيعية  صديقة  للبيئة  التى  لا  تنفذ  وتتجدد  باستمرار مثل الرياح  والمياه  والشمس  وحركة  الأمواج  والمد  والجزر  وحرارة  الأرض، والحد  من  إزالة  الغابات  للتوسع  السكانى والصناعى  لتقليل  تأثير  التغيرات  المناخية ، والتوسع  فى  زراعة  الغابات  والحد  من  انبعاثات  الكربون على  مستوى الكرة  الأرضية.
  •   استخدام تقنيات حديثة في إعادة تدوير مياه المزارع (الفلاتر الميكانيكية والبيولوجية) و المتابعة المستمرة والدقيقة للحالة الصحية للأسماك خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة أو نقص إمدادات المياه.
  •  تطبيق الأمان الحيوي قدر الإمكان داخل المزارع السمكية.

    المراجع

– دراسة منشورة على موقع الهيئة العامة للثروة السمكية المصرى، للدكتور شوقى القطان  مجلة إسجلوبال الإسبانية  (أنخليس فيرنانديز) 2018

– Cascarano M. C., ZachouO. S.,Mladineo I.,Thompson K. D.,Papandroulakis N. and Katharios P., (2021): Mediterranean Aquaculture in a Changing Climate, Temperature Effects on Pathogens and Diseases of Three Farmed Fish Species. Pathogens J. Vol., 10I issue (9)

-Islam M. J.,   Kunzmann A.,  Slater M. J.,( 2021): Responses of aquaculture fish to climate change-induced extreme temperatures: A review. W. Aqu.J. https://doi.org/10.1111/jwas.12853

–  Federation of Greek Mariculture. Aquaculture in Greece; Annual Report; Federation of Greek Mariculture: Athens, Greece, (2019). [Google Scholar]

–  Seth-Smith, H.M.B.; Dourala, N.; Fehr, A.; Qi, W.; Katharios, P.; Ruetten, M.; Mateos, J.M.; Nufer, L.; Weilenmann, R.; Ziegler, U.; et al. (2016) Emerging pathogens of gilthead seabream: Characterisation and genomic analysis of novel intracellular β-proteobacteria. ISME J. , 10, 1791–1803. [Google Scholar]

جهاز حماية و تنمية البحيرات والثروة السمكية ديسمبر2022-

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى