الأخبارحوارات و مقالات

“خالد وصيف” يكتب : “الطامعون في النيل”… ومشروع “زمزم”

د/ خالد وصيف

خبير موارد مائية

فى عام 1904 زارت اللجنة الصهيونية العريش ضمن جولات لها لاماكن مختلفة فى العالم للبحث عن وطن قومى لليهود.

اصطحبت معها تيودور هرتزل وعاينت المنطقة على الطبيعة ووجدتها مناسبة لانشاء وطن لليهود بها ثم اتجهت للقاهرة وقدمت طلبا للورد كرومر المعتمد البريطانى بحق امتياز لسيناء ل99 عام مع توفير مياه نيل للرى، وعزز هرتزل طلبه بانه يحتاج فقط المياه الشتوية التى ترمى فى البحر المتوسط.
ارسل كرومر الى وزير الاشغال العمومية لدراسة موضوع المياه الذى حول الملف الى مفتش عام رى الدلتا.

درس المفتش الملف واكتشف ان المشروع الصهيونى سوف يحتاج 4 مليار متر فى السنة، وهى كمية لاتستطيع ترعة الاسماعيلية حملها فى العام الواحد. كما ابدى التقرير خشيته من تاثير المياه الذاهبة لسيناء على توافر مياه الرى فى الدلتا. واوصى المفتش العام برفض المشروع وكان التقرير بتوصياته هو الذريعة التى استندت اليها الحكومة المصرية لرفض فكرة التوطين، وحمتها من الضغوط التى مورست عليها.

مرت خمس وسبعين عاما واصبحنا فى 1979 واثناء مباحثات السلام بين مصر واسرائيل، التفت الرئيس السادات إلى مرافقيه من الوفد المصرى وطلب منهم عمل دراسة  لتوصيل مياه نهر النيل إلى مدينة القدس، لتكون في متناول المترددين على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق، في مشروع أسماه “زمزم الجديد”.

وجد محمد عبد الهادى سماحة وزير الرى نفسه فى موقف حرج. فقد اعطى الرئيس السادات وعدا تناقله العالم كله، وتلقفته اسرائيل وتمسكت به كورقة رابحة لها من المفاوضات الجارية. وهو بحكم خبرته الفنية يعرف مخاطر توصيل مياه النيل لاسرائيل. هو خروج للمياه خارج حدود الحوض المائى المستقر منذ آلآف السنين، والموافقة على المقترح تصنع مبدأ مستقرا يمكن ان تلجأ اليه اى دولة اخرى من دول الحوض فى المستقبل. كما ان وصول المياه الى قلب اسرائيل يعطى لها خلال عام واحد فقط حق “ارتفاق” تحميه الاعراف والمواثيق الدولية. وهو ما يعنى استحالة التراجع عن توصيل المياه، او منعها تحت اى ظرف من الظروف

كان موقفا صعبا امام وزير الرى، الذى تولى الوزارة منذ شهور قليلة،وكانت اعتبارات السياسة والحكمة البيروقراطية ترجح الموافقة على المقترح طالما رأس الدولة هو صاحبه، لكن تغلبت المصلحة الوطنية على نوازع البقاء فى الكرسى او الخروج الآمن من الوزارة.

كتب وزير الرى تقريره الذى رفض فيه فكرة توصيل المياه لاسرائيل ورفعه للدكتور مصطفى خليل، الذى اطلع على محتواه ثم طلب لقاء الرئيس السادات واخبره برفض وزارة الرى لمقترحه الذى قدمه للاسرائيليين فى حيفا.

“محاولتان بينهما خمس وسبعون عاما” والرد واحد.

 

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى