الأخباربحوث ومنظماتحوارات و مقالات

هل ينقذ الذكاء الإصطناعي مستقبل العمل في الإنتاج الزراعي والحيواني والداجني؟ …دكتور محمد خليفة يكشف التفاصيل

هناك مقارنة تحتاج إلي توضيح وهي علاقة الذكاء الإصطناعي والبشري حيث يُعرف الذكاء البشرى بأنه مجموع الخصائص العقلية المتعلقة بالقدرة على جمع المعلومات و التحليل والتخطيط و حل المشاكل، وبناء الاستنتاجات، وسرعة التصرف، كما يشمل القدرة على التفكير المجرد، و توليد و تنسيق الأفكار، و فهم اللغات، وسرعة التعلم.

و يَتضمن ما يعرف بالذكاء العاطفى و هو القدرة على الإحساس و الفطنه و التفهم وإبداء المشاعر. أما  الذكاء الاصطناعي فهو  الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم و التحليل و الاستنتاج و رد الفعل على أوضاع لم تبرمج سلفاً في الآلة.

هل يتفوق الذكاء الإصطناعي علي العقل البشري.

و فى هذا المجال يتم تصنيع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي مذهل بدون تدخل الإنسان ، و جدير بالملاحظة أن هناك تناسب عكسىى بين   الذكائين ،  فمع ارتفاع معدل استخدام الذكاء الاصطناعي سوف ينخفض معدل الذكاء البشرى.

و علي سبيل المثال  نلاحظ فى الأجيال الجديدة التى لم تحفظ جدول الضرب فى المرحلة الابتدائية من التعليم تجد  صعوبه فى إجراء  عمليه حسابيه بسيطه لاعتمادهم الكلى علي الإله الحاسبه. أن الانسان عندما اخترع الاله الحاسبه و الكمبيوتر كان يهدف إلى أن تكون اكثر قدره و كفائه و دقه من القدرات العقلية البشريه و هذا ما كان.

مستقبل الذكاء الإصطناعي في مواجهة التغيير

و بناءاً على دراسه ماحدث من تحولات حضاريه جذرية بالسلب و الايجاب  منذ عصر البخار و الكهرباء و البترول و الكمبيوتر ، فأن سيطرة عصر الذكاء الاصطناعي قادم لا محاله ، و هى مسأله وقت خاصه ان الذكاء الاصطناعي يعتبر التطور الطبيعى لعصر الكمبيوتر و الرقمنه. و الملاحظ أن ظاهره مقاومه التغيير ”resistance to change ”  علي المستوى الفردى و الجماعى و التى تعمل علي منع أو تعطيل التغيير و التمسك بالوضع الحالى تكاد تكون معدومة التأثير أمام انتشار و سيطره  التكنولوجيات الحديثة ، مما يشير إلى أنه فى بضع سنين سوف نرى واقع مختلف وتغيرات دراماتيكية كنا نظن أنها مجرد احلام و مبالغات المبشرين بعصر الذكاء الاصطناعي .

أن استخدام و توظيف و الاعتماد علي الذكاء الاصطناعي فى العديد من مجالات الحيويه يمثل نقله حضاريه هائلة فى مسيرة البشريه ، و فى المقابل فأن هذا الذكاء الاصطناعي سوف يؤدى إلى إشكاليات معقده  و أتوقع حدوث معضله حضاريه نتيجه نشوء و تفاعل مجموعه مشاكل  متعدده  و متداخله و لها مضاعفات بالغه الأثر علي مستقبل البشريه .

الذكاء الإصطناعي والإنتاج الزراعي

و قريباً سوف نرى أن  الذكاء الاصطناعي يستخدم بكثافه فى مجال الانتاج الزراعى ممثلاً فى العديد من التطبيقات الحيوية الهامه، و علي سبيل المثال الآلات الذكية على غرار الطائرات المسيّرة  ( الدرونز ) لرصد صحه المحاصيل وأجهزة الاستشعار والتحليلات التنبؤيه و الإنسان الآلي الزراعى ، والجرارات ذاتية القياده و متعدده الاستخدامات و منها ما هو مزود بكاميرات و اشعه الليزر و تستطيع الكشف و القضاء علي الحشائش والنباتات الضاره و هذا الجيل من آلات مزوده ببرامجيات قادرة على التفكير  و التعلّم و تحليل البيانات و حلّ المشاكل تمامًا كالمُزارع .

باستطاعة الذكاء الاصطناعي أن يساعد  المزارعين على  إدارة عمليه زراعه المحاصيل و  الثروة الحيوانية والكشف عن الآفات والأمراض ، و سوف يؤدى ذلك الى تقليل الاعتماد علي العمالة والأسمدة ومبيدات الآفات ، و الاستخدام الأمثل للعلف والمياه و اداره سلاسل الإمداد مما يزيد كفاءه الإنتاج و تخفيض التكاليف و الحفاظ علي البيئه و سلامه الاغذيه للاستهلاك الادمى.

الذكاء الإصطناعي وتطوير الطب البيطري

و على نفس السياق فأن التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي في الطب البيطري هائلة.  و يمكن توقع إدماج الذكاء الاصطناعي في كل جانب من جوانب الممارسات البيطرية تقريبًا بما في ذلك التشخيص المعملى للأمراض و رسم خرائط الامراض والبحوث التطبيقية والتعليم عن بعد و صناعة الأدوية و التصوير الطبي التشخيصي.

من اهم  أوجه التعاون الرئيسية بين الذكاء الاصطناعي والطب عموما هو مجال تشخيص الامراض ، و حالياً  يستغرق التشخيص التقليدى للأمراض فتره قد تصل أيامًا و لكن باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي يمكن تشخيص الأمراض تلقائيًا من خلال فحص عينات و تحليل البيانات .

ونتيجة لذلك  فإن التشخيص سوف يكون أرخص وأسرع وأسهل و هناك احتمال أن كافه التشخيصات ، وحتى الاستشارة للعلاج سوف تدار بالكامل باستخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي . و كذلك فأن البرامج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي سوف تعتبر من العناصر الفاعلة في مجال اكتشاف الأدوية ، حيث إنها قادرة على رصد التغيرات و تحليل البيانات المعقدة للغاية بالنسبة للإنسان.

الذكاء الإصطناعي والعلوم البحثية

و بشكل عام فإنه من الواضح أن هناك تسارع نحو تضمين الذكاء الاصطناعي  ليصبح جزءًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه في مجال العلوم الزراعيه و البيطرية وتطبيقاتها. لقد صرحت الجمعية الأمريكية للذكاء الاصطناعي ” أن مستقبل الذكاء الاصطناعي مشرق ، ولكن لا يمكن التنبؤ  به”. أن الاحتمالات المستقبليه لدور و تأثير و سيطره الذكاء الاصطناعي مفتوحه علي كل الاتجاهات.

و السؤال ماذا عن الجانب الغير مشرق عندما ندخل عصر الذكاء الاصطناعي؟  بالتأكيد سوف  نواجه العديد من الإشكاليات و المعضلات التى توازى التغيرات الجذريه التى سوف يحدثها الذكاء الاصطناعي.

أن افتراضية الصراع بين الذكاء البشرى و الاصطناعي و احتمال سيطره الذكاء الاصطناعي فى المستقبل ليست من وحى الخيال  حيث أن من ينشئ و يطور تلك العقول الذكيه ربما سوف يزودها بقدرات تعلم ذاتيه  غير محدده أو محدوده  و سوف يصبح لها القدره على الحد أو منع  التدخل و السيطره الخارجيه علي بياناتها و الانشطه المنوطه بها .

و فى هذا السياق فإن بعض هذه العقول الاصطناعية الذكيه  لن تكون سهله الانقياد و السيطره خاصه عندما تُترجم بعض الاوامر الصادره إليها بصوره خاطئه  و قد تتعرض  لبرامج خبيثه تتفاعل فى مواقف معينه و تؤدى الى عدم الاستجابة و تضليل مستخدميها مما ينتج عنه عواقب وخيمة.

خدمات الذكاء الإصطناعي وتطبيقات البحوث العملية

و السؤال ..  لمن الكلمه العليا بشأن ملكيه المعلومات الهائله الناتجه من استخدام الذكاء الاصطناعي ؟ هل لمن يشترى خدمات الذكاء الاصطناعي سوء كان جهاز أو برنامج أم سوف تؤول المعلومات الحساسة الى من ابتكر هذا النظام و هو أدرى باسراره و  بالتالى فقد يصل و يتحكم  فى بنك من المعلومات لا حدود لها و يستفيد منها كيفما يشاء. و كما هو معلوم بالضروره فأن المعلومه قوه  ”Information is Power” .

و حقيقة الأمر فأن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي سوف تؤدى إلى انخفاض الحاجه الى اليد العامله و اندثار مهن عديده و ظهور ما يسمى  “البطالة التكنولوجية” و بالتالى ارتفاع نسبه البطالة العامة خاصه فى بلاد تعانى أصلا من الزياده السكانيه و الاميه الرقميه و تُواجه مشاكل معقده  لإيجاد وظائف لملايين الايد  العامله ؟ بالتأكيد سوف تكون هناك مسافة حضارية ساحقه بين من يملك و من لا يملك ادوات الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الإصطناعي والسطو العلمي

أضف إلى ذلك فإنه من المتوقع ان تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مذوده ببرامج  ذكيه للحمايه من الاختراق و سرقه المعلومات و محاولات التحكم الغير مشروع و هذا معناه تحفيز  ظهور أجيال جديده من برمجيات الذكاء و الفيروسات الخبيثه ، و هذا يعنى الدخول فى عصر “القرصنه الرقمية الذكيه” و هو صراع من نوع جديد اعلي مستوى  و أكثر تعقيداً و أسوأ تأثيرا علي المجالات التى تستخدم  فيها تلك الانظمه الذكية ،  و بالتالى قد يكون لها أثر خطير علي الإنسان بوجه عام . فهل سوف تشهد البشريه صراع بين ذكاء صناعى مسالم و آخر عدوانى ؟

أن هذه الإشكاليات التى ذُكرت فى هذا المقال  مجرد مثال وهناك العديد من المعضلات القادمه سوف تنشأ عندما تتفوق الاله الذكيه علي العقل البشرى و تصبح هى المسيطره و لها القياده و هذا ربما ليس ببعيد ، فماذا نحن فاعلون ؟

قواعد إستخدام الذكاء الإصطناعي

أن البدء فى صفحه جديده فى تاريخ البشريه  يُحتم  وجود دستور جامع للأخلاقيات يسترشاد به في تطوير و تفعيل هذه التكنولوجيا. ومن اللازم  إدراج هذا الدستور ضمن تصميم أدوات الذكاء الاصطناعي و ايجاد أليه للمتابعه و الرقابه لضمان الاستخدام الرشيد  السلمى .

كذلك يجب وضع سياسات لعدم الاحتكار و مراجعه حقوق الملكية الفكرية بهدف تعزيز الاستدامة و التوزيع العادل لعوائد هذه التكنولوجيا و حمايه البلدان الناميه من مخاطر سيطره هذه التكنولوجيا ، و لكن هذه العدالة الإنسانية قد تكون بعيده المنال خاصه فى ظل الظروف الدوليه الراهنة.

و فى الختام ليكن واضحا أن هناك فارق جوهرى بين الذكاء و الحكمه . أن الحكمه صفه وهبها الله حصرياً للإنسان السوي و بها يحيى و يسعى ليعمر الأرض و يتعلم ما ينفع و  يمد يد التعاون و العون و التكافل مع أخيه  الإنسان  … قال تعالى (( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ))  صدق الله العظيم.

كاتب مقال «هل يهدد الذكاء الإصطناعي مستقبل العمل في الإنتاج الزراعي والحيواني والداجني؟»  هو الدكتور محمد خليفه- معهد بحوث الصحه الحيوانية – مركز البحوث الزراعيه – وزارة الزراعة – مصر

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى