الأخبارحوارات و مقالات

خالد وصيف يواصل “حكايات النيل”…”هدم الاهرامات لبناء القناطر”

د خالد وصيف
خبير موارد مائية
القناطر الخيرية لها مكانة متميزة فى تاريخ منشآت الرى على الخصوص وفى تاريخ مصر السياسىى كله. هى آخر اعمال محمد على الجليلة التى وضع حجر اساسها قبل وفاته بشهور قليلة واول خبرة مصرية فى مجال انشاء القناطر الكبرى على النيل
فى عام 1847 قرر محمد على انشاءقناطر لتحسين الرى فى الوجه البحرى من خلال مده بالمياه بديلا عن اكثر من 12 الف ساقية كانت ترفع المياه عن طريق الحيوانات. استعان محمد على بمهندس فرنسى اسمه لينان دى بلفون كان موضع ثقته وولاه نظارة الاشغال العامة فى مصر.
اختار لينان دى بلفون موقع القناطر الذى يبعد 20 كيلومترا عن القاهرة. وضع محمد علي حجر الأساس للقناطر فى احتفال كبير. وقرر تسميتها القناطر الخيرية تيمنا بالخير المنتظر منها، واصدر ميدالية ذهبية لتخليد تلك الذكرى. بدأ العمل فى المشروع بتجهيز 1200 عامل مصرى واجنبى اقيمت لهم مساكن بالقرب من موقع القناطر واصبحت هذه المساكن هى نواة المدينة الكبيرة التى تحمل نفس الاسم الان، وتم الاستعانة بمهندس فرنسى اسمه موجيل لعمل التصميمات اللازمة تحت اشراف لينان دى بلفون.
لم تكن القناطر الخيرية محظوظة من بدايتها. فقد توفى محمد على بعد الشروع فى اعمال البناء بشهور قليلة وفقدت الداعم الرئيسى لها. ثم تعطل العمل بعد انتشار وباء الطاعون الذى فتك بكثير من عمال القناطر. وبعد حصار المرض وشفاء العمال ظهرت مشكلة تدبير احجار جيدة لاستكمال البناء. وحيث ان الخديو عباس الذى تولى الحكم بعد جده لم يكن فى همة ونشاط محمد على او لديه اهتمام بالمشروعات، فقد تعرضت ميزانية القناطر للتخفيض وحينما طالب موجيل بميزانية لاستقدام احجار للبناء كان اقتراح عباس هو استخدام حجارة الاهرامات لبناء القناطر لتوفير النفقات لكن الاقدار كانت رحيمة بعد ان اثبتت المقايسة التى اجراها مهندس القناطربأن ثمن المتر المكعب من الحجر الذى يستخرج من هدم الاهرامات اكثر تكلفة من الاحجار المستخرجة من محاجر طرة فتم صرف النظر عن فكرة هدم الاهرامات. وتم انشاء خط سكك حديدية يربط بين موقع القناطر ومحاجر طرة
اخيرا انتهى بناء القناطر فى عهد الخديو اسماعيل بعد مرور اكثر من عشرين عاما على وضع حجر الاساس ولكن تم اكتشاف خلل فى البناء نتيجة اخطاء فى التصميم ادت لرشح الماء من اسفل عيون القناطر. فارسل الخديو اسماعيل فى طلب المهندس المصمم للقناطر (موجيل) والذى كان قد اعتزل العمل وعاد الى بلاده فرنسا يقضى بها ايامه الاخيرة فى هدوء. لكنه اتى لمصر ليصلح الخلل الذى وقع بالقناطر بمساعدة اثنين من المهندسين المصريين النابهين الذين كانوا من طليعة المهندسين الذين تعلموا فى البعثة التعليمية فى فرنسا واكملوا دراساتهم فى مدرسة المهندسخانة. وقد حصل الاثنان على رتبة الباشوية لاحقا وهما بهجت باشا ومظهر باشا. والطريف ان الاول تولى وزيرا للاشغال العمومية بعد ذلك. والثانى هو الجد الاكبر للفنان احمد مظهر
تم اصلاح الخلل فى القناطر بقدر ما سمحت به الامكانيات وظلت تعمل حتى نهاية عام 1939، ثم قررت الحكومة انشاء قناطر جديدة باسم قناطرمحمد على وهى مقامة خلف القناطر القديمة وتلافت خلالها الاخطاء التصميمية التى عانت منها القناطر القديمة.
الجانب السياسى للقناطر لايقل اثارة عن تاريخ بناءها. فقد تحولت الى مفتاح المياه للوجه البحرى كله وهو ما اوحى الى احمد عرابى ورفاقه عام 1881، بفتح كل فتحاتها واغراق الاراضى الزراعية بالدلتا كاجراء وقائى لحماية مصر من الاحتلال البريطانى. لكنه انصرف عن الفكرة فى آخر لحظة وقرر مواجهة الانجليز فى التل الكبير. وهى المواجهة التى انتهت بالهزيمة واحتلال القاهرة. ثم القبض على عرابى ورفاقه ونفي البعض واعدام البعض الآخر
كما طرأت نفس الفكرة على الانجليز وتهيأوا لها اثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945) حينما تقدمت القوات الامانية بقيادة روميل من حدودنا الغربية ووصلت العلمين. كان اغراق الدلتا عن طريق فتح القناطر هو احد البدائل امام البريطانيين لكن الهزيمة الالمانية وانسحاب روميل حمى المصريين من مثل هذا المصير المدمر لهم ولزراعاتهم
والزائر لمدينة القناطر حاليا سيشاهد فى وسط المدينةمجموعتين من القناطر، واحدة اسمها قناطر محمد على هى المسؤولة عن توزيع المياه على الوجه البحرى كله. وفى الخلف منها القناطر الخيرية القديمة التى اصبح استخدامها مقصورا على أغراض المرور باعتبارها من الآثار الهندسية لمصر الحديثة والتى تقف شاهدة على فترةمهمة من تاريخ مصر

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى