الأخبارحوارات و مقالات

الدكتور صفوت عبدالدايم يكتب :”فرص الاستدامة في سياسات التوسع الأفقي في مصر”

المستشارالأسبق بالبنك الدولي والخبير الدولي في المياه

لا جدال حول عظم التحديات التي تواجه مصر ليس فقط في تحقيق التنمية المطلوبة ولكن في القدرة على استمرارها في توفير مستلزمات الحياة الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لمجتمع يزيد تعداده علي 90 مليون نسمة ويزيد بمعدل سنوي يبلغ حوالي 2.6% أي ما يعادل أكثر من 2 مليون نسمة سنويا، زد علي ذلك تحدي المكان حيث يعيش هذا العدد من السكان في مساحةضيقة لا تزيد عن 4% من مساحة البلد مما يجعل الكثافة السكانية فيها من أعلي الكثافات في العالم إن لم تكن أعلاها بالفعل، مما يسبب ضغوطا معيشية هائلة، لذلك فإن سياسة التوسع الأفقي فرضت نفسها منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي لزراعة أراضي جديدة علي حساب الموارد المائية المحدودة ومصدرها الأعظم نهر النيل الذي يأتي من خارج الحدود وتشاركنا فيه عشرة دول لها طموحاتها ومطالبها المشروعة وغير المشروعة في مياه النهر.

وتقوم النظرة الاستراتيجية لهذه المشروعات علي مفهوم أحادي الهدف يسعي أساسا إلي زيادة الإنتاج الزراعي، وبالتأمل فيما حققته مشروعات التوسع الأفقي من نتائج علي مدي حوالي سبع عقود حتي الآن، بدأً من مشروع مديرية التحرير في خمسينات اقرن الماضي مرورا بمشروع ترعة السلام بشقيها الشرقي في شمال سيناء والغربي في سهل الحسينية ثم مشروع توشكي ومحاولة تقييم ما حققته هذه المشروعات بمقياس دورهافي تحقيق الأمن الغذائي أو توفير فرص المعيشة أو زيادة الدخل القومي أو إيجاد تجمعات سكانية تستوعب الملايين من السكان، نجد إنها إما أنها لم تحقق أي نتائج تذكر رغم الإنفاق الباهظ عليها أو حققت ألقليل بعد مرور حقبة زمنية طويلة، لذلك نجد أنه من الخطأ الاستمرار في وضع آمال التنمية في مناطق التوسع الجديدة علي الزراعة فقط في أراضي صحراوية تسودها ظروف جغرافية ومناخية صعبة وتقل فيها الخصوبة وتزداد فيها الاحتياجات المائية كثيرا عن مثيلاتها من أراضي الدلتا ووادي النيلوتفتقر كثيرا للبنية التحتية الأساسية للإقامة والمعيشة والتشغيل والتنقل وتحتاج إلي مصادر ضخمة للطاقة وكميات كبيرة من الموارد المائية، بل أن الأصعب والأدهى أنها تدار وتزرع بنفس الفكر القديم الذي يهدف رغم كلفة إنشائها الضخمة لإنتاج محاصيل تقليدية منخفضة القيمة السوقية، وفي نفس الوقت لا تسعي لتبني الفكر العصري والأساليب الحديثة للإدارة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

إذا فما هو البديل المستدام للتوجه الاستراتيجي للتوسع الأفقي؟ … كما تقدم فإن النظرة الواقعية لمشكلتنا السكانية تدرك مديتكدس الكتلة السكانية في الوادي والدلتا وتجعلنا نتساءل عما سيكون عليه حال الشارع المصري من الزحام وافتقاد سبل العيش وفرص العمل بعد سنوات قليلة، ولذلك فإن التخطيط الاستراتيجي للتوسع يجب أن يقوم على أساس التنمية الشاملة متعددة المحاور، يكون التوجه فيها هو إقامة مجتمعات جديدة جاذبة لفرص الاستثمار في كافة الأنشطة الاقتصادية (زراعية وصناعية وتعدينية وسياحية وتجارية وغيرها) بما يتناسب مع الموقع الجغرافي والموارد المتاحة في كل موقع، بدلا من أن ينحصر التفكير في الزراعة فقط التي لا تستوعب عادة عمالة كثيفة خصوصا في ظل طرق الري الحديثة والميكنة الزراعية

ولنا أن نتصور إن كانت مشروعات مثل شمال سيناء وتوشكيقد تضمنت مثلاإلي جانب الزراعة إنشاء مجمعات صناعية للنسيج ومواد البناء والصناعات الإلكترونية والثقيلة والوسيطة طبقا لخصوصية كل موقع، وتم إلي جانب ذلك إنشاء مراكز للتجارة الداخلية والخارجية وما يتبعها من موانئ برية وبحرية وجوية واستغلال الميزات المحلية لجذب السياحة الترفيهية والثقافية والعلاجية والرياضية، وقيام مستعمرات سكنية تتحول مع الأيام إلي مدن مليونيه، ألم يكن ذلك إلي جانب أثره الاقتصادي الكبيريخلق ملايين من فرص العمل التي تعمر المكان وتحد من التضخم السكاني في الوادي القديم والدلتا، ويقينا لا يمكن لأحد أن يتصور أننا نستبعد النشاطالزراعي ولكنهلا بد أن يقوم علي أسس واقعية في ظل محدودية المياه وبفكر جديد لنوعية الإنتاج والتصنيع الزراعي الذي يتناسب مع ظروف المكان واحتياجات السوق المحلي والتصدير للخارج ويعظم من أثره ودوره في تحقيق الأمن الغذائي.

هذا ويتطلب ذلك أن تضع الدولة خريطة استثمارية لهذه المناطق في إطار مشروع قومي وعلى أساس متعدد المحاوروأفق زمني واقعي، وذلك يتطلب سياسات حكومية تقوم على أساس التكامل القطاعي تتحدد وتتكامل فيه الأدوار والمسؤوليات الملزمة لكافة الوزارات والقطاع الخاص حيث أن للقطاع الخاص دور هام ومحوري في تحقيق هذه الأهداف علي أن يرتكز ذلك على قوانين فاعلة ومفعلة وسياسات مشجعة للاستثمار وإجراءات شفافة ونزيهة وموارد بشرية مؤهلة، وكم نتمنى أن يكون هذا هو التوجه لمشروع المليون فدان علي أن ننزع عنه الصفة الزراعية السائدة، لتقوم بدلا منها التنمية الشاملة،فهل يمكن أن يعطي مشروع المليون ونصف فدان المثل؟ وليس عيبا أن نعود إلى مشروعي توشكي وترعة السلام لتنميتهما علىهذه الأسس فهي مناطق واعدة، صرفت عليها المليارات وتقرب مساحتها في المجمل من ثلاثة ملايين فدان قادرة على أن تنتج الكثير وتستوعب الأكثر، عندها ممكن أن يتوفر لهذه المناطق التنمية الشاملة والاستقرار. للملايين من البشر.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى