الأخبارالاقتصادالانتاجبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د محمد غازي يكتب: الزيتـــــون… نظام الزراعة عالية الكثافة (مالها وما عليها)

باحث بقسم بحوث الزيتون

معهد بحوث البساتين – مركز البحوث الزراعية

 

الزيتون, الشجرة المباركة التي يقوم عليها الإقتصاد الزراعي لكثير من دول حوض البحر الأبيض المتوسط حيث تنتج هذه الدول حوالي 95 % من إنتاج العالم من الزيتون وزيت الزيتون.

مصـر …….. الزيتــون

لو نظرنا إلي ظروف الأراضي المصرية التابعة لخطة الإستصلاح في المشروع القومي لزراعة المليون ونصف مليون فدان سنجد أن الزيتون من أهم المحاصيل التي تناسب وتجود في هذه الأراضي، ولو نظرنا إلي وضع مصر علي الخريطة العالمية في إنتاج الزيتون علي مر السنوات السابقة سنجد أن مصر دائما تحتل أحد المراكز الثلاثة الأولي في إنتاج وتصدير زيتون التخليل، ولكن ما نعاني منه حقيقة ونحتاج لتغييره هو إنتاجنا المنخفض من زيتون الزيت والأهم جودة الزيت المتحصل عليه في النهاية.

لذلك يجب الإتجاه لزيادة المساحة المنزرعة من الزيتون (أصناف الزيت)، ولتحقيق أكبر استفادة ممكنه من وحدة المساحة ووحدة الماء المتاح يجب الإتجاه للتوسع الرأسي وذلك عن طريق زيادة عدد الأشجار المنزرعة في وحدة المساحة للحصول علي أكبر محصول ممكن من نفس المساحة.

تاريخ الزراعة عالية الكثافة

بدأت الزراعة عالية الكثافة في أسبانيا وكان لها هدفين رئيسيين هما الحصول علي أكبر محصول ممكن من وحدة المساحة والماء المتاحة كذلك الميكنة الكاملة للعملية الزراعية بسبب الإرتفاع المستمر في تكلفة الأيدي العاملة ومنها إنتقلت إلي إيطاليا ثم لعديد من الدول الأخري، ولكن …. يجب الأخذ في الإعتبار المشكلة الرئيسية التي تحد من إنتشار الزراعة عالية الكثافة وهي محدودية الأصناف التي تنجح تحت هذا النظام المطبق حتي هذه اللحظة في عدد محدود جدا من الأصناف المنتجة للزيت.

مصر والزراعة عالية الكثافة

نظرا لما سبق نجد أن الظروف المصرية مهيئة بشدة للتوسع في زراعات زيتون الزيت، ولكن السؤال المهم هل نتبع النظام المطبق في مصر الآن وهو الزراعة المكثفة (120 شجرة في الفدان) أو نلجأ للزراعات عالية الكثافة (700 شجرة في الفدان)؟؟؟

المشكلة الرئيسية في نظام الزراعة المكثفة المتبع في مصر هو اعتماده في الأساس علي العمالة البشرية مما يزيد من تكاليف الإنتاج نظرا لإرتفاع أسعار العمالة عاما بعد آخر كما أن العمالة الجيدة في تناقص مستمر ثم نأتي للنقطة الأهم وهي عامل الوقت في مرحلة الحصاد، حيث نجد أن جمع المحصول بواسطة العمالة البشرية يأخذ وقت طويل جدا مما يضطرنا لتخزين المحصول حتي يتم الحصاد الكامل وبالتالي عند عصر هذا الزيتون الذي تم تخزينه لمدة أطول من 24 ساعة نحصل علي زيت زيتون ذو جودة منخفضة نظرا للتغيرات التي تحدث للثمار نتيجة التخزين، وهو ما يتم تلافيه من خلال الحصاد الآلي في الزراعات عالية الكثافة حيث يتم حصاد المحصول في مدة قصيرة (تقريبا ساعة للفدان) وبالتالي عصر الثمار المتحصل عليها قبل مرور 24 ساعة كما أن الثمار بالكامل تأتي من الأشجار وبالتالي الحصول علي أكبر كمية ممكنة من الزيت ذو الجودة العالية (زيت زيتون بكر ممتاز) تطبيقا للحكمة الشهيرة…من الشجر إلي الحجر.

ولكن هل الزراعة عالية الكثافة كلها مميزات ولا يوجد بها عيوب؟!!!!!!

بالطبع لا… فكبري مشاكل الزراعات عالية الكثافة هي التكاليف الإستثمارية العالية لإنشاء المزرعة لذلك هي تعتبر زراعات خاصة بالمستثمرين الكبار، أو يتم تجميع مجموعة من المساحات الصغيرة في تجمع كبير يعرف بالتعاونيات لها إدارة واحدة يتم زراعاتها كوحدة واحدة (وهو ما يتم بدول أوروبا).

والآن نأتي للمشكلة الأهم والتي ستواجهنا بشدة تحت ظروف الزراعة المصرية …. الأصناف

حيث أن أسبانيا تعتمد في الأساس علي 3 أصناف فقط في الزراعات عالية الكثافة هذه الأصناف هي (الأربكوينا والأربوسانا والكورناكي).

  • الأربكوينا: صنف أسباني من أفضل الأصناف الأسبانية في نسبة الزيت حيث يعطي ما يقرب من 20 % وهذا الصنف تمت زراعته في مصر منذ مدة طويلة فكيف كان إنتاجه؟!!! للأسف هذا الصنف لم يتأقلم جيدا تحت الظروف المصرية حيث أظهرت الأبحاث التي تمت عليه أن الصفات الكيميائية للزيت المتحصل عليه غير مطابقة للمواصفات العالمية كما أن نسبة الزيت لم تتعدي 13% (للحصول علي هذه النسبة يتم التأخير في جمع المحصول مما يؤثر بصورة سلبية علي صفات الزيت).
  • الأربوسانا: صنف أسباني خاضع في الوقت الحالي للتجربة والدراسة تحت الظروف المصرية وإن كانت المؤشرات الأولي تظهر تأخره في الإزهار مقارنة بالأصناف الآخري مما يعطي دلاله علي إحتياجاته العالية من البرودة وبالتالي هناك تخوف من إنخفاض إزهاره بشدة وتأثره في السنوات التي ترتفع فيها درجات الحرارة وهو ما لوحظ علي المناخ المصري في السنوات السابقة.
  • الكورناكي: صنف يوناني من الأصناف الناجحة جدا تحت الظروف المصرية ويعطي نسبة زيت عالية وصفات الزيت المتحصل عليه جيدة جدا.

ما الحل؟؟!!!

هنا يجب أن نأخذ في الإعتبار ما قامت به الدول المختلفة في هذا الصدد بأنها في بداية تطبيقها لنظام الزراعة عالية الكثافة حيث قامت كل دولة بإختبار أصنافها المحلية أولا تحت هذا النظام وهو ما يمكن أن نقوم به في مصر حيث تمتلك مصر العديد من الأصناف التي تنتج زيت ذو جودة عالية جدا، كما أن العلماء بقسم بحوث الزيتون – معهد بحوث البساتين تمكنوا في السنوات الأخيرة من استنباط العديد من السلالات الجديدة المنتجة لنسب عالية من الزيت ذو الجودة العالية كما أن طبيعة نموها تناسب الزراعات عالية الكثافة وبالتالي يمكن اختبارها ايضا تحت ظروف الزراعات عالية الكثافة، حتي نصل للأصناف المحلية التي يمكن زراعتها تحت هذه النظام دون الحاجة لزراعة الأصناف الأجنبية التي لم تتأقلم جيدا تحت الظروف المصرية مما يهدد هذه المزارع في المستقبل نتيجة التغيرات المناخية المتوقع حدوثها.

هل من المفروض الإنتظار حتي تتم تجربة الأصناف المحلية؟؟؟!!!

بالطبع لا، حيث يمكن للمستثمرين الراغبين في تطبيق هذا النظام الإعتماد علي صنف الكورناكي الناجح جدا تحت الظروف المصرية كما أنه أحد الأصناف الملائمة لنظام الزراعة عالية الكثافة لحين تجربة الأصناف المختلفة تحت الظروف المصرية.

نقطة أخيرة توضح جيدا تأثر أصناف الزيتون بالبيئة التي يتم زراعتها بها:

أسبانيا هي الدولة الأولي في العالم في إنتاج زيت الزيتون، ونجد أن حوالي 40 % من إنتاج أسبانيا من الزيت يأتي من صنف البيكوال (هو واحد من أهم أصناف الزيت في أسبانيا والذي ينتج زيت ذو جودة عالية جدا)، فماذا حدث عند زراعة صنف البيكوال الأسباني تحت الظروف المصرية منذ الثمانينات؟!!! هنا تكون الصدمة حيث إنخفضت نسبة الزيت التي يعطيها الصنف كما أن الزيت المتحصل عليه غير مطابق للمواصفات العالمية لزيت الزيتون وبالتالي تم تحويل الصنف في مصر لصنف تخليل أسود ولا يستخدم كصنف زيت داخل مصر.

أخيرا …. نظام الزراعة عالية الكثافة قد يكون هام لمصر في المستقبل القريب لكن يجب الآخذ في الإعتبار الظروف المصرية سواء المناخية أو صفات التربة المختلفة، ويجب عدم إغفال نتائج الأبحاث التي قام بها علماء مركز البحوث الزراعية في زراعة الزيتون وإنتاج زيت الزيتون.

 

 

 

 

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى