الأخبارالاقتصادبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د علي إسماعيل يكتب: الحرب الروسية وإدارة الازمات في ظل المتغيرات الدولية

استاذ ادارة الاراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية – مصر

لاشك ان الازمة التي يتعرض لها العالم بعد الحرب القائمة وما يطلق عليها الحرب الروسية الاوكرانية وحالة الشد والجذب وإعادة هيكلة العالم وصراع القوي الدولية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو ضد روسيا والصين للبقاء والهيمنة الدولية للدولار وبعد ازمة كورونا العالمية التي لم تنتهي بعد.

الدول الناشئة والنامية هي من تسدد الفاتورة بشكل اكبر واكثر ضررا من الدول الغنية وصاحبة الاقتصاد القوي التي تغيرت لديها ظروف المعيشة وارتفاع الاسعار نتيجة الموجات التضخمية العالية لارتفاع اسعار البترول والغاز مع تقص الإمدادات وسلاسل التوريد في الغذاء والمواد الخام الذي انعكس علي الاسعار العالمية وبالتالي موجات تضخمية عالمية .

ورغم ان هذه الحرب والتي تتم بالوكالة في أوكرانيا وتدفع الدول الناشئة فاتورة مضاعفة لها فان الاقتصاد الأمريكي يسبب أزمة عالمية للدول النامية وكذلك الاقتصاد الأوربي الذي يواجه فيها اليورو انخفاض حد مقابل الدولار وصعود الروبل الروسي رغم العقوبات المفروضة علي الاقتصاد الروسي وهروب الاموال الساخنة من الدول ذات  الاقتصاديات الناشئة وعودتها الي امريكا بعد رفع اسعار الفائدة والتي قاربت علي الثبات لأكثر من عشرين عاما مما انعكس علي اقتصاد الدول الفقيرة بتخفيض عملتها امام الدولار وارتفاع فاتورة الاستيراد ونقص في السلع الغذائية الاساسية كالقمح و الذرة والزيوت و الالبان  لوقف شحنات  القمح والذرة والزيوت الاوكرانية وكذلك قيام روسيا بتحديد ان التصدير  للحبوب سوف يتم للدول الصديقة .

 ماهي هذه الدول الصديقة بعد الارتفاع الجنوني للأسعار؟

سؤال يطرح نفسه وتظهره الايام القادمة في ظل الشد والجذب الدولي لأي من المعسكرين الشرقي او الغربي كما كان في الستينات والسبعينات قبل تفكك الاتحاد السوفيتي.

إن قراءة المستقبل مرتبط بما يدور وما هو متوقع من المشاهدات للأحداث الجارية التي تحيط بالدولة وجيرانها ومدي تغير الظروف والتوازنات الناجمة عن الصراعات الموجودة وارتباطها بالمصالح الدولية والاقليمية ومعالجة التشوهات المضرة بالدولة .

ليس هذا فحسب ولكن هذه الصراعات إنعكاسا علي كيفية إدارة الأزمات المتوقعة نتيجة اختلاف الموازين الاقليمية وإعادة ترتيب الأوراق والمحافظة علي التواجد بقوة وسط الصراعات المتزايدة للحفاظ علي المكتسبات الدولية والاقليمية للكيان في ظل حالة الشد والجذب بين الشرق والغرب وإعادة الهيمنة والسيطرة للقوي العظمي علي المنطقة بعد مرحلة الحرب الباردة والصراع الجديد الذي ظهر مؤخرا بعد الحرب الأوكرانية وبداية حرب تايوان واستعادة الجزيرة الأمر الذي أصبح جليا كما أوضحت وصرحت الصين بذلك علي انها ارض صينية ولا يمكن ان تترك والتوقيت هو الذي تحدده الصين لضم تايوان رغم التصريحات الامريكية ..

لاشك أن إدارة الأزمات بمفهومها الشامل هي أهم عناصر إدارة الدولة لأصعب المراحل التي يمكن أن تتعرض لها، الدول ومن خلال إنشاء وحدات فنية علمية متخصصة للأزمات ووضع الحلول العاجلة لها طبقا لمفهوم علمي واستراتيجيات مبنية علي قواعد بيانات وخبرات متوفرة لأفراد مؤهلين علميا وسيكولوجيا تتوفر لديهم قدرات ابتكارية لحل الأزمات الناشئة أو المتوقع حدوثها من خلال سيناريوهات موضوعة ومجربة ومحددة لكنها تمتلك المرونة والحرية الكاملة للتعامل مع ما يطرأ علي المجتمع طبقا لردود الأفعال والنتائج المتوقعة.

فليس من المعقول أن تكون إدارة الأزمات ماهي سوي اسم أو مسمي وظيفي داخل مؤسسة الدولة لإدارة الأزمات في دولة ما ؟؟؟؟  وأن يتبعها إدارات فرعية يعمل بها موظفين مثل أي إدارة حكومية ولكنها لابد أن تكون إدارة متخصصة في الدولة مرتبطة بكل وزارتها بها كافة التخصصات العلمية المبتكرة والقادرة علي مجابهة الأزمة الداخلية المفروضة والخارجية المصنوعة ووضع الحلول العاجلة لهذه الأزمات الطارئة طبقا لمفهوم علمي واستراتيجي يكون له قدره مباشرة علي حل الأزمة.

ويتم ذلك  من خلال اتخاذ القرار المناسب من السلطة المختصة طبقا لطبيعة ونوع الأزمة ومستوي اتخاذ القرار والتقييم من خلال الأدوات والبيانات التحليلية والمتوقع حدوثها كرد فعل للقرارات التي يتم اتخاذها وتفعيلها وحسب السيناريوهات البديلة لحل الأزمة وعدم تكرارها.

فالعلوم الاستراتيجية التي تدرس تعتبر أهمها علوم إدارة الأزمات وصناعة القرار وتتميز الاكاديميات العسكرية العليا بدراسات متعمقة في مفهوم الدراسات الاستراتيجية المرتبطة بالأزمات وتنوعها والتعامل معها وسرعة اتخاذ القرار عنها في القطاعات المدنية التي لم تلقي التدريب التأهيلي المناسب لإدارة الأزمات بها.

ومن أسباب نجاح إدارة الأزمات هو ما قد يتوفر لدي القائمين عليها من معلومات تصاحبها أليات تنفيذية فلابد أن تكون هناك الأدوات المتوفرة والآليات المناسبة للوصول بالقرار إلي حيز التنفيذ في الوقت والزمن المناسب مع معالجة الآثار السلبية الناتجة عن الأزمة.

فالأزمة تعني مفهوما واضحا بالاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث، فكثيرا ما نراي انه لا يخفى علي أحد وخاصة الأحداث السياسية والاقتصادية التي تمر بمنطقه الشرق الأوسط.

المتابع للأحداث الجارية علي الساحة العربية فيجد منها السياسي، وتم بتفكك بعض الدول ولم تتصدي لها القومية العربية وجامعة الدول العربية وانتهت بهدم واعاده تشكيل صور جديدة لكيانات عربية مختلفة عن ما قبل الربيع العربي مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والباقية تأتي وظهور أزمات اقتصادية تشكل ضغوطا اخري علي بعضها مثل ما تتعرض له دول الخليج العربي حاليا وفي الأيام القادمة بعد تدهور أسعار النفط في الفترات السابقة وعودتها للارتفاع بشكل يمثل مشكله للعالم بعد وصول أسعار خام برنت لاكثر من ١١٠ دولار للبرميل وضغوط القوي الغربية علي الدول العربية لزيادة الإنتاج وخفض أسعار النفط خاصة بعد قيام روسيا بوقف امدادات الغاز الطبيعي والبترول لبعض دول الاتحاد الأوربي والسداد بالروبيل الروسي او الذهب واستمرار الصرعات لبعض الدول العربية وتوريطهم في نزاعات عسكرية تستنزف  طاقه هذه الدول وتأثيرها علي التنمية بها والعمالة الوافدة اليها والاضرار بمصالح دول مجاوره تعتمد في مواردها الاقتصادية علي تحويلات العاملين لها بهذه الدول.

من هنا فالأزمات بكل أنواعها وأشكالها تؤثر بما لها من دور في تاريخ الدول ومدي استمرارها بقوتها او تدهورها، وبقراءة متأنية لدور الأزمة بشكل عام يفضي بنا إلى نلمس خيط يقودنا إلى حقيقة مفادها أن المجتمعات التي اعتمد البناء المؤسسي فيها على فرق خاصة تتميز بالكفاءة في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عودا وأكثر على المطاوعة والاستمرار من قريناتها التي انتهجت أسلوبا مغايرا تمثل في الإدارة العشوائية والغير منظمة في إدارة أزماتها.

وظهر ذلك واضحا في أزمات مستمرة أنهت بتفكك هذه الدول لان صناعة الأزمة كانت من أطراف دولية لم تقدر الدول علي مجابهة حجم المأساة التي تتعرض لها والصمود أمامها وللأسف ساعدوا ابناء هذه الدول علي تصعيد ودعم وجود الأزمة لارتباطهم بأجندات دولية تساهم في هدم بلدانهم للفوز بنصيب من نواتج الازمة للوصول للسلطة او تصفية الحسابات مع الانظمة الحاكمة.

وتشتد الأزمات نتيجة نضوب الموارد المتنوعة او نقص الإنتاج للسلع او المواد الغذائية الضرورية وشدة المنافسة السياسية والاقتصادية التي تلعب دور هام في الصراعات الاقليمية التي تكون لها الكلمة الفاصلة والتي قد تستمر طول حياة الانسان للدراسة ووضع المناهج والسيناريوهات الموضوعة لحل الأزمات وهو ما يشكل سلسلة من أزمات تتخللها مراحل قصيرة قد تطول بوضع الحلول المؤقتة .

ومن هنا فقد نشأت أفكار جدية من أجل دراسة وتحليل الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر وتأخير الأزمة اللاحقة إن تعذر تعطيلها .

ولذا يجب ان يتم الاهتمام بتطوير نظام علمي مختص يمكّن للجهة المختصة بإدارة الازمة من التعرف على المشكلات وتحليلها ووضع الحلول لها بالتنسيق مع الكفاءات المختصة والعمل على جعل التخطيط للأزمات جزءًا هامًا من التخطيط الاستراتيجي مع ضرورة عقد البرامج التدريبية وورش العمل للمختصين في مجال إدارة الأزمات وتأهيلهم وضرورة التقييم والمراجعة الدورية لخطط إدارة الأزمات واختبارها تحت ظروف مشابهة لحالات الأزمات.

وبالتالي يتعلم الأفراد العمل تحت الضغوط ولذا يجب التأكيد على أهمية وجود نظام فعّال للإنذار المبكر والأسباب التي تؤدي الي نشوء الأزمات بشكل عام والتي قد ترجع الي العنصر البشري ومدي تفهمه للواقع المحيط به ودورهم الفاعل في ادراك المسائل التي يمكن ان تغير الواقع او تهدد مستقبل الفرد او الجماعة المتعلقة بالحدث والازمة التي قد تنشئ او تظهر أمامهم.

فجملة الأسباب التي ترتبط بنظام معين أو مجموعة محدودة من الأشخاص الذين يؤثرون بقراراتهم أو سلوكهم على المجتمع أو المنظومة مما يعجل بظهور الأزمات وتفاقمها وعرضها من خلال:

أولا: سوء الفهم فالأزمات الناجمة عن سوء الفهم تكون دائما عنيفة، إلا أن مواجهتها تكون سهلة، وخاصة بعد تأكد سببها، الذي غالبا ما يرجع إلى المعلومات الناقصة، أو التسرع في إصدار القرارات، ولذلك تتضح أهمية الحرص على الدراسة الكاملة للمعلومات، قبل إصدار القرار.

ثانيا: عدم استيعاب المعلومات بدقة حيث يشترط اتخاذ القرارات السديدة، استيعاب المعلومات وتفهمها بصورة صحيحة، إذ أن الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة للكيان القائم  أو الدولة بسبب انفصام العلاقة بين ذلك الكيان والقرارات المتخذة.

ثالثا: سوء التقدير والتقييم هو من أكثر أسباب نشوء الأزمات، وخاصة في حالة الاصطدام الناشئ عن الإفراط في الثقة غير الواقعية، واستمرار خداع الذات بالتفوق، فضلا عن سوء تقدير قدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه، ما يسفر عن سوء تقدير للموقف برمته. وتزداد التوازنات اختلالا إذا بنيت الموضوعات علي الخداع للأطراف الأخرى.

رابعا: السيطرة على متخذي القرار وتعني ابتزاز متخذ القرار و إيقاعه تحت ضغط نفسي ومادي واستغلال تصرفاته الخاطئة التي كان قد اقترفها وبقيت سرا لإجباره على القيام بتصرفات أكثر ضررا تصبح هي نفسها مصدرا للتهديد والابتزاز، وتعتبر السيطرة على متخذي القرار آلية أساسية لصناعة الأزمة و تستخدمها الكيانات العملاقة في تدمير الكيانات الصغرى والسيطرة عليها.

وخامسا: اليأس وعدم الثقة هو شعور نفسي وسلوكي يشكل خطرا داهما على متخذي القرار إذ يحبطهم ويفقدهم الرغبة في العمل والتطور والتقدم، ويجعلهم في حالة روتينية ويتفاقم الشعور باليأس فتتشكل حالة اغتراب بين الشخص والكيان وتصل إلى قمتها بانفصام مصلحتيهما.

ويتطلب مواجهة هذا النوع من الأزمات إشاعة جو من الأمل والتفاؤل بالمستقبل بمجموعه من المشروعات والخدمات التي تساعد في تحسين ظروف العمل وتأمينها وتوظيفها في صناعة مستقبل الدولة والتصدي للمشاكل الناتجة من بعض الانحرافات السلوكية الناشئة بالمجتمع.

فتوفر إدارات قوية لإدارة الأزمات كفيل بأن يضع أمام متخذ القرار السياسات التي تجنب الدولة المخاطر الناجمة عن اي أزمة ناشئة حتي لو ظهرت وهي في مهدها وقبل تطورها ونضجها حماية للدولة وكيانها القائم في ظل حروب مستجده من الكيانات الهادمة والمعادية للدولة وإتاحة الفرصة للتعامل معها بالشكل الذي يعالج السلبيات الناشئة عن الأزمة.

لذلك فالدول القوية ذات المؤسسات الفعالة والتي تمتلك المعرفة قادرة علي قراءة المستقبل والتعامل مع الأزمات من خلال خبراءها المختصين والمؤهلين لحل الأزمات وتجنيب بلدانهم الكثير من المخاطر التي قد تعصف بها.

اجري توداي على اخبار جوجل

 

زر الذهاب إلى الأعلى